U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

القصة الكاملة لفصل موريتانيا عن المغرب من مذكرات الدبلوماسي قاسم الزهيري

 



أعده للنشر: مصطفى بوكرن


1- الدول التي تعاقبت على حكم المغرب تعتبر موريتانيا جزءا من المغرب


تعتبر موريتانيا امتدادا طبيعيا للمغرب سواء من الوجهة التاريخية أو السلالية أو العقائدية، وحتى من الناحية الجغرافية إذا لا يوجد بينهما أي فاصل من أي نوع كان. ولكن الاستعمار الفرنسي قضى بفصلها بحدود مصطنعة في الوقت الذي كان الغزو الأوروبي يتصرف في خريطة إفريقيا وفي سكانها كيف شاء. وضبطت حدود موريتانيا بموجب اتفاقات أبرمتها فرنسا مع إسبانيا وقرارات اتخذتها على انفراد.



اتفقت كلمة المؤرخين على أن سكان موريتانيا من البربر، أي أنهم يتحدون في الأصل مع السكان الذي استوطنوا المغرب منذ عشرات القرون. وقد عرف سكان موريتانيا بقبائل صنهاجة وما تفرع عنها من قبائل لمتونة وجدالة وغيرهما. وعلى إثر ظهور الدعوة الإسلامية وانتشار الفتح العربي على يد عقبة بن نافع وموسى بن نصير اعتنق الموريتانيون الإسلام وأصبحوا دعاة متحمسين للعقيدة الجديدة.



وهاجر إلى الصحراء عشرات الآلاف من العرب في القرن السابع والثامن للهجرة من قبائل بني سليم وبني هلال وبني معقل، فامتزجوا بسكان موريتانيا الأصليين لما بين الفريقين من وحدة العقيدة وتشابه في المعيشة البدوية. وكان هذه الهجرة من الأسباب الأساسية التي يسرت انتشار اللغة العربية حيث أخذت هذه اللغة تحل محل اللهجات البربرية إلى أن أصبحت لغة التخاطب بين جميع السكان. وهكذا منذ القرن الثامن الهجري طبعت موريتانيا بالطابع العربي الأصيل وظلت من ذلك التاريخ مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمغرب الأقصى تتطور وإياه في دائرة واحدة. وأصبحت موريتانيا إحدى الطرق الأساسية التي سلكها الإسلام إلى السوادين، فكانت قبيلتا لمتونة وجدالة تتميزان بحماستهما للدعوة إلى الإسلام حتى أن الزعامة الثقافية والروحية في غرب إفريقيا السودان تركزت في شنقيط التي ظلت إلى بدء الزحف الأوروبي على هذه القارة مركزا للإشعاع الإسلامي.


وكما أن الجزء الشمالي من المغرب كان يعتبر على الدوام القاعدة الخلفية التي تقوم على حماية الإسلام في مواجهة خصومه بالأندلس أيام المرابطين والموحدين والمرينيين فإن الجزء الجنوبي منه أي موريتانيا كان يعتبر قاعدة أمامية لنشر الإسلام في أجزاء الصحراء. يذكر المؤرخون وجود مجتمع إسلامي متقدم في قلب امبراطورية غانا الوثنية، وهي أول امبراطورية سودانية عرفها التاريخ، وكانت حاضرتها – على أرجح الأقوال- تقع قرب كومبحي صالح بموريتانيا.



وفي القرن الخامس الهجري نشأت دولة المرابطين بضفاف نهر السينغال من قبيلة لمتونة المويتانية. فلما اشتد ساعدها اخضعت المغرب إلى حدود طرابس ثم الأندلس لحكمها على يد يوسف بن تاشفين. كما وجه زعيمها أبو بكر بن عمر الوحف على امبراطورية غانا في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الميلادي. وكان هذا الزحف من العوامل الرئيسية في تثبيت أقدام الإسلام بإفريقيا السوداء. ونشات على إثره دولتا مالي وسينغال الإسلاميتان وما تفرع عنهما ممن ممالك في غرب إفريقيا.


وأعقب قيام الممالك السودانية فترة انزوت فيها موريتانيا على نفسها، إلا ما كان من بعض الغزوات التي كانت تقوم بها من حين لآخر. وقويت عروبة هذا الإقليم بانتقال قبائل بني حسان وبراكنا والترارزة وأولاد يحيى بن عثمان عن طريق المغرب. واستمرت هذه الهجرة إلى القرن السابع عشر. فكان الدول التي تعاقبت على حكم المغرب تمد نفوذها على موريتانيا وتعتبرها جزءا منه.


2- مظاهر السيادة المغربية على موريتانيا



ومنذ أواخر القرن السابع عشر نشأت إمارات في موريتانيا أهمها إمارة تاجنت والترارزة والبراكنة وارار. وكانت هذه الإمارات تستمد نفوذها من السلطة المركزية المغربية، فكان سلطان المغرب يبارك تعيين الولاة، وكان خطب الجمعة تلقى باسمه. وتجلت السيادة المغربية في عدة مناسبات، نكتفي بذكر بعضها:


فبعدما طردت الدولة السعدية – بمؤازرة سكان موريتانيا- جيوش الاحتلال البرتغالي والإسباني الذين استقروا ببعض شواطئ المغرب بما فيها موريتانيا في القرن السادس عشر خلصت الناحية الممتدة بين الساقية الحمراء ونهر السينغال، وقامت الدولة العلوية ووجهت فرقا عسكرية تفقدية لوادان سنة 1665 ولادرار سنة 1678 وتاكنت سنة 1680 وشنقيط إلى حدود السيتغال سنة 1730 ولتضيت سنة 1789.

وقام المولي الرشيد مؤسس الدولة العلوية ثم مولاي إسماعيل في أوائل القرن الثامن عشر وابنه بعد مولاي عبد الله برحلات إلى إقصى الجنوب الموريتاني على ضفاف نهار السينغال فاستقبلهم السكان استقبالا حارا.


وقدم أمير الرارزة على شندورة إلى مكناس ليشتكي للمولى إسماعيل من أعمال بعض القبائل المجاورة. كما استقبل سيدي محمد بن عبد الله ومولاي الحسن في أواخر القرن السابع عشر وفودا وأمراء من جنوب موريتانيا، منهم الشيخ ماء العينين مؤسس مدينة سمارة بطرفاية. وطلب من مولاي الحسن النجدة ضد المستعمر فبعث له بواخر محملة بالذخيرة العسكرية لمطاردة الفرنسيين. وكذلك فعل المولى عبد العزيز وأخوه المولى عبد الحفيظ قبيل فرض الحماية على المغرب معلنين رسميا أن موريتانيا منطقة مغربية مشمولة بسيادة سلطان المغرب.


3- خطة فرنسا لفصل موريتانيا عن المغرب



بدأ التسرب الأوروبي لموريتانيا إثر سقوط الأندلس، قاومت الدولة المغربية هذا التسرب حتى طهرت شواطئها من الاحتلال البرتغالي.


أما في القرن التاسع عشر، فقد بدأ تنافس الدولة الاستعمارية على احتلال إفريقيا واستغلال ثرواتها، وتسابقت فرنسا للاستيلاء على المغرب بجميع أجزائه. ونستعرض الآن مراحل هذا الاحتلال وما أبداه الشعب المغربي من مقاومة مستميتة إلى أن غلب على أمره:



منذ سنة 1854 أصبحت الجيوش الفرنسية تحتل الضفة اليسرى للسينغال واضحت وجها لوجه أمام موريتانيا. وفي سنة 1855 شن الجنرال فيديرب هجوما عسكريا على موريتانيا، وهو أول هجوم استعماري وقع على الحدود الجنوبية من المغرب. فاشتبك الموريتانيون بقيادة حفيد الأمير علي شندورة الذي كان ولاه سلطان المغرب المولى إسماعيل على هذه المنطقة اليسرى لنهر السينغال.


وفي سنة 1860 كلفت بعثة على رأسها القبطان فانسان بالاستطلاع في مقاطعة ادرار. وفي نفس السنة وجهت ثلاث بعثات أخرى، وقد وجدت مقاومة شديدة. فتوقفت هذه العمليات إلى سنة 1900، حين توغلت برئاسة الضابط بلانشي فألقي القبض عليه. وصرح الأمير الشيخ سعد بوه للوفد المفاوض: "إننا ننتظر الأوامر: فإما سنقتل أعضاء هذه البعثة وإما سنسيرهم إلى قصر سلطان المغرب".



بدأت عمليات الاحتلال في شهر مارس 1902، فواجهت فرنسا مقاومة شرسة. واشتدت المقاومة بالترارزة سنة 1904. واستبقت فرنسا الحوادث فأنشأت في نفس السنة ما سمته: "الإقليم المدني لموريتانيا". وهي أول مرة أطلق هذا الاسم على الأراضي الواقعة بأقصى جنوب المغرب.

اشتدت مقاومة سكان موريتانيا، وافشلوا المخطط الفرنسي، وكتب أمير أدرار ولد عيدة إلى كوبولاني: "إن بلادنا موضوعة تحت حماية سلطان المغرب، سنسالكم ما دمتم في سلام مع عاهلنا".


لكن كوبولاني أصر على التغلغل في موريتانيا فتم اغتياله يوم 12 مايو 1905. اشتدت المقاومة بقيادة أمير ادرار. وجه الشيخ ماء العينين من سمارة نداء المقاومة، وزودهم سلطان المغرب بالذخيرة الحربية. ضغطت فرنسا على المغرب من الشمال للحيلولة دون قدوم الجنود والسلاح، فبدأت تهاجم حدود الشرق ومن شواطئ الأطلس. أما هذا الوضع دعا السلطان عبد العزيز في 1906 إلى عقد مؤتمر الجزيرة، شاركت فيه ثلاث عشرة دولة، فأقرت المبدأ الثلاثي لسيادة السلطان ووحدة المناطق التي يحكمها والحرية الاقتصادية دون ميز أو تفاوت. ومعلوم أن المغرب في رأي أعضاء مؤتمر الجزيرة يمتد إلى نهر السينغال كنا ورد في الاتفاق الفرنسي الألماني بتاريخ 4 نونبر 1911، حيث جاء بالنص: "من المتفق عليه أن المغرب يشمل كل الجزء من إفريقيا الشمالية الممتد ما بين الجزائر وإفريقيا الغربية الفرنسية ومستعمرة ريو دي أورو الإسبانية".


استمرت فرنسا في عدوانها على الجزء الشمالي من المغرب حتى أرغمت السلطان على قبول حمايتها. ولكن المقاومة الشعبية لم تنته واستمرت بالجبال والأدغال وأعقبتها ثورة محمد بن عبد الكريم الريفي، ولم يضع السلاح في الشمال إلا بعد ما غلبوا على أمرهم سنة 1934.

4- فرنسا تضع خطة بتواطؤ مع إسبايا لعزل الشمال عن الجنوب


ووضعت فرنسا خطة عسكرية بتواطؤ مع إسبانيا لعزل الشمال عن الجنوب. ووقعت معارك شديدة سقط فيها خلق كثير من الجانبين: معركة انواذيبو ومعركة بوكرن ولقديم سنة 1924، معركة تيفيك 1932 إلخ. ولم يقض على المقاومة الموريتانية إلا في سنة 1934 حين نفذت قوتها.


وهكذا فرضت السيطرة الاستعمارية على المغرب بكامل أجزائه. وإذا كان الجزء الشمالي قد فرض عليه الحماية، فإن فرنسا أخذت تفكر منذ أن استقرب لها الأمور بموريتانيا في فصل هذا الإقليم عن المملكة المغربية، وأخذ تمهد لذلك بجميع الوسائل طبقا لسياسة الاستعمار الفرنسي بفصلها في 1960.


في سنة 1909، أعلن الاحتلال الفرنسي أن موريتانيا إقليم عسكري يخضع للأحكام العرفية، وظل الأمر هكذا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، فكانت موريتانيا تعامل معاملة المستعمرات الفرنسية، وتخضع في إدارتها لوزير المستعمرات.

وفي سنة 1946 أدمجت في الاتحاد الفرنسي بهذه الصفة وكانت تطبق عليها كافة القوانين التي تتخذ بشأن المستعمرات الفرنسية. أما الإدارة في موريتانيا فقد ظلت إلى سنة 1958 تابعة للسينغال، ومركز حاكم موريتانيا الفرنسي بمدينة سان لوي على الضفة اليسرى من نهر السينغال.

وأمام التيار التحرري الذي اكتسح إفريقيا. تم تشكيل لأول مرة مجلس موريتانيا، ويتألف من حكومة أهلية في 20 مايو 1957. وكان المغرب إذ ذاك قد أعاد استقلاله، وطرح قضية مناطقه التي كانت ما تزال تحت السيطرة الاستعمارية. وواعدت الحكومة الفرنسية المغرب، لكنها في الواقع كانت تمهد لإتمام عملية الفصل.



اعتلى الجنرال دوكول الحكم في مايو 1968، فعرض دستورا جديدا على الاستفتاء على الشعب والمستعمرات، وأعطى المستعمرات حق الاختيار بين الرفض وقبول الدستور، فإن رفضت المستعمرات أصبحت مستقلة. وأجري الاستفتاء، فتم تزويره، رغما عن مقاطعة الشعب الموريتاني وتشبثه بالوحدة مع المغرب.


وهكذا تكونت جمهورية موريتانيا الإسلامية، داخل إطار الرابطة الفرنسية، وبهذه الوسيلة فصل هذا الإقليم عن المغرب، وعين على رأس الحكومة السيد المختار ولد دادة.



مصدر المقال: مذكرات دبلوماسي عن العلاقات المغربية - الموريتانية، قاسم الزهيري، تقديم عبد الهادي التازي، الهلال العربية للطباعة والنشر، ص: 35





تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة