إعداد: مصطفى بوكرن
أولا: الجبرية النظرية.
الجبرية النظرية استلاب الاختيار الفكري على منهج واحد، وبحالة واحدة التقليد. وذلك بعرض الطرق الغربية في النظر والتفكير بدعوى أنها وحدها المنصفة بالعلمية والجدة ودقة البناء..إلخ، مما يجبر كل من يسعى إلى النظر وبناء آراءه المعرفية المتصفة بالقبول والاعتبار على الاقتصار على العمل بهذه الطرق. وصرف نظره عن أي إبداع ذي خصلة استقلالية عن ذلك. كما يجبر على التخلي عن أي انطلاق على أسس أخرى، وعلى تقويم آثار هذا العمل الغربي على الذهن العربي الإسلامي.
ثانيا: الاستدلال بالحديث النبوي الذي يوافق هواه.
الإرغام على التغذية بمادة معرفية يخاللها فساد ودغل الأمزجة النفسية، ألا ترى أن من تجليات هذا الفساد والدغل العلماني أن يستدل – مثلا- بما من الأحاديث النبوية يوافق هواه ومذهبه، صحت تلك الأحاديث أو لم تصح، مثل "أنتم أعلم بامور دينكم"، و "إذا أتاكم الحديث فاعرضوه على القرآن.."، و"القرآن حمال أودية". وما هو من هذا الصنف الذي يرى العلماني أنه حجة له في مدعاه، ولكن إذا استدل عليه مخالفه بحديث ما انتفض مدعيا أن لا حديث نبوي صحيح.
ثالثا: حصر النقد في الإسلام.
صرف النقد إلى جهة واحدة، جهة الأمر الروحي – الدين- وكبح جماحه وصده عما سواه –الفكر الغربي-، وما يوجبه جعل الشك أساسا في الفكر – كما يدعي ذلك أرباب العلمانية أو أغلبهم- هو مد الشك إلى كل شأن معرفي، فالذي يرى وجوب سريان الشك في كل أمر معرفي هو الذي يجب عليه أن يعمل ذلك في أصوله المعرفية ونظامه الفكري أولا، وعلى كل حال، وهذا ما انصرف عن اعتباره أرباب هذا النقد.
رابعا: التركيز على موضوعات بعينها.
شغل الأنظار بأمور معينة منتقاة، لكونها صالحة لما يسعون إليه من بناء الصرح العلماني في النفوس والواقع. ألا ترى كيف يهتم العلماني بالحوادث التاريخية السيئة وهي أمور طواها الزمان، ولا معنى لإثارتها وشغل الناس بها في هذا الزمان سوى إثارة الشكوك في ثقة الصحابة وعدالتهم وإضاعة الوقت في القيل والقال بلا طائل، والأمم كلها تخفي سوءاتها الثقافية والتاريخية في الغالب، إذ لا يتعلق بإبرازها شيء معتبر، بل إن إبرازها مضر. كما تجده يهتم بحق الغريزة الحيوانية، وبذل وسعه في الوصول إليها، وإدراكها وتسهيل السبل إليها – على تفاهة شأنها بالمعيار القيمي الاخلاقي- وصرف نظره عن الحق الروحي للإنسان –الدين الحق- وعد العناية بذلك عملا سخيفا.
خامسا: التسوية بين الإبداع والتقليد.
التسوية في الشأن المعرفي بين الفعل الذاتي القائم على الاجتهاد وأخذ المعارف من معادنها، وبين ما كان من ذلك عن تقليد بالنسبة لشخص ما، وهذا لا يخفى فساد طبع وفهم من يقول به، لأن المعرفة الحقيقية بالنسبة لشخص ما هو ما كان من عمله النفسي وبنائه الفكري، وليس ما يحكيه عن غيره، لأن الأول يمس فكره وشغاف قلبه في كل أطوار صناعته، بخلاف الثاني فإنه مهيأ له، يأخذه بلا عمل نفسي ولا بناء فكري، وهذا ليس في حقه بالأمر المعرفي في شيء.
سادسا: العجز عن النظر الشامل المتوازن.
جعل الغاية محصورة في هدم الدين، والاستفزاز والتضخم بالتباهي بالتورية والانتصار الفكري على المخالف، مما يترتب عنه العمى عن النظر في المآل والغاية التي إليها المنتهى بهذا التصرف – هدم الدين- وهي تدمير ما به قيام الإنسانية ووجودها من قيم عليا وأخلاق سامية، وخصائص روحية سماوية، ودفع الناس إلى الحيرة والعدمية، والضياع والعيش بلا معنى، كما يترتب عنه العجز عن النظر الشامل المتوازن، الذي يراعي كل ما تحت رعايته من أمور في هذا الشأن مصلحية، سواء كان أصلها من الدين أو غيره.
المقال مقتبس بتصرف من هامش كتاب: "أصول نقد القول العلماني في المعرفة الدينية"، المقدمة الأولى، لمولود السريري، ص:24
إرسال تعليق