بقلم: مصطفى بوكرن
تستعد حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، لعقد جمعها العام السابع، لاختيار قيادة جديدة. وستنطلق الجلسة الافتتاحية مساء يوم الجمعة 14 أكتوبر 2022، تحت شعار: "بالاستقامة والتجديد تستمر رسالة الإصلاح"، بمجمع مولاي رشيد للشباب والطفولة بمدينة بوزنيقة.
تأسست حركة التوحيد والإصلاح في 31 غشت 1996، إثر وحدة تنظيمية بين حركة الإصلاح والتجديد، ورابطة المستقبل الإسلامي. وقبل ثلاثة أشهر تقريبا انخرط أعضاء حركة الإصلاح والتجديد وقياداتهم، في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية لمؤسسها عبد الكريم الخطيب، وشاركوا في المؤتمر الاستثنائي الذي انعقد يوم 02 يونيو 1996. ويعني هذا، أن قيادة الإصلاح والتجديد، قاموا بإنجازين كبيرين: تأسيس حركة دعوية، والإسهام في تأسيس حزب سياسي، بعد سنوات من الاتصالات والمفاوضات...
أصبحت الحركة الجديدة محتضنة للحزب السياسي الوليد، وانخرط أعضاؤها الجدد في الحزب. وفي هذه الفترة من 1996 إلى 2006، كان الحزب والحركة وجهان لعملة واحدة، على كل المستويات، لأن أبناء الحركة هم من قاموا ببناء الحزب، فاختلط خطابهم الدعوي بالسياسي، وكانوا لا يميزون بين العمل الدعوي والعمل السياسي. وفي سنة 2002، بدأ العمل على التمايز بين "الدعوة" و"السياسة"، في مستويات الوظائف، والخطاب، والرموز، ومجالات العمل، إلى أن تحقق الاستقلال التنظيمي بين الحركة والحزب في سنة 2006. وبذلك، قدمت الحركة نموذجا فريدا في التمايز بين الحركة والحزب. وظهر ذلك جليا منذ 2007، وأصبح خطاب الحزب شبيها بخطاب الأحزاب السياسية، لا علاقة له بالخطاب الدعوي المباشر، لكنه لم يتخل عن المرجعية الإسلامية، التي تلزمه بها حركة التوحيد والإصلاح.
إذا كان الذراع السياسي للحركة قد نجح في وضع مسافة بينه وبين الخطاب الدعوي، والاشتغال وفق منطق الحزب السياسي، فإنه وقع في مأزق، لا زال يعاني منه إلى الآن.
استطاعت الحركة أن تنجح مع حزبها، في ضبط العلاقة التنظيمية بينهما، لكن حزبها الذي استقل تنظيميا، أصبح يتناقض مع المرجعية الإسلامية، التي تنطلق منها الحركة وفق قراءة حددتها هذه المدرسة الحركية الإصلاحية الإسلامية.
حين قاد بنكيران الحكومة بداية من سنة 2011، ناقض مشروع الحركة وموقفها من قضية المرأة، حيث صادقت حكومته على اتفاقية سيداو، وكان ذلك حدثا مزلزلا، لأن أبناء الحركة خرجوا ضد مضامين هذه الاتفاقية في المسيرة المليونية في مارس 2000، والآن زعيمهم السياسي يصادق عليها.
وفي زمن العثماني الذي قاد الحكومة سنة 2017، ناقض مرجعية الحركة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وموقفها من التطبيع، حيث قام بالتوقيع على عودة العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل. وكان هذا الحدث مرعبا لأبناء الحركة، الذين كانوا يشاركون في المظاهرات التضامنية مع فلسطين ومواجهة التطبيع لسنوات.
ذكرت هذين الحدثين للتمثيل فقط، لبيان المأزق الذي تعيشه هذه الحركة الإسلامية.
حين كان الحزب يخلط خطابه بالدعوة، والعكس، نجحت الحركة في ابتكار مقاربة "التمايز بين الدعوي والسياسي"، وكانت الإجابات التنظيمية ناجحة.
لكن الحزب في زمن التدبير الحكومي، لم يخلط السياسي بالدعوي، بل إنه ناقض المرجعية الإسلامية، التي تنطلق منها الحركة، وتدافع عن قراءتها الإصلاحية. فهل تدخلت الحركة لحل هذه المشكلة النظرية والعملية؟
إزاء هذا التناقض بين الحزب ومرجعيته الإسلامية، أمام الحركة لتسهم في حل هذه المشكلة الاختيارات الثلاثة:
- الاختيار الأول: القطيعة، أن يصبح حزبها علمانيا، ويتخلى عن المرجعية الإسلامية، التي تلزمه بمجموعة من القيود والحدود، وإلا سيتناقض مرارا وتكرارا، لأنه يشتغل ضمن مؤسسات حديثة لها منطقها، ويدافع عن ذلك حتى في البنية الداخلية للحزب.
- الاختيار الثاني: حصر المرجعية الإسلامية في السلوك الفردي للمناضلين، لكن لا يطالب بها الحزب في السياسات العمومية، ويدافع عنها، حين تطرح قضية: الإجهاض، أو الإرث، أو تقنين الكيف، أو التطبيع... يعني سيصبح الحزب علمانيا مؤمنا.
الاختيار الثالث: الإبقاء على العلاقة مع المرجعية الإسلامية كما تتصورها حركة التوحيد والإصلاح. بمعنى رفض العلمانية مطلقا سواء أكانت شاملة أم جزئية.
لكل خيار نتائجه، الأول؛ فقدان هوية الحزب، وانهيار قاعدته الاجتماعية، وتحول الحزب إلى شيء ممسوخ. وهذا الاختيار مرفوض من طرف القيادة. الثاني؛ قد يحل مشكلة داخلية عند القادة المحترفين للسياسة، لكنه انتخابيا لن يصل إلى شيء، لأن قاعدته الأولى التي ربها على فكرة "شمولية الإسلام"، ستتركه وتلتحق بالتيارات الإسلامية الشابة، الثالث؛ يعيد نفس التجربة، التي ستكون بنفس النتائج، ما إن يصل إلى التدبير الحكومي، حتى يتخلى عن مرجعيته الإسلامية، ويبرر ذلك، أنه لا يمكن أن يخالف رئيس الدولة.
في مثل هذه الحالة المأزقية، الحل في انبعاث جيل جديد خارج هذا المشروع، بأفكار جديدة. بمعنى أن هذه الإيديولوجية استنفدت كل أغراضها... انتهت مرحلة الأربعين سنة، ويمكن أن تبدأ مرحلة أخرى، بجيل من التلاميذ والطلبة والشباب.. لتبدأ مرحلة الروح..
وإلا فإن الحركة ستتحول إلى تجمع نوسطالجي يتذكر الماضي الجميل... وحين ينطلق الإنسان في التذكر، فإنه قد وصل إلى مرحلة الشيخوخة، وهذا ينطبق على الحركات أيضا...
إرسال تعليق