بقلم: عبد العالي بنعمور
ليس من المعقول أن هناك أناسا وشركات
في المغرب تغتنم الفرصة لمضاعفة أرباحها: فمثلا بعض شركات المحروقات التي من
المفروض أنها تتنافس في السوق، وفق القانون الذي حدده مجلس المنافسة، لا نجد
إحداها قامت بتخفيض ثمن البيع عندما انخفض ثمنه في السوق العالمي، هل هذا يعني أنه
يوجد اتفاق بين تلك الشركات؟ هذا ما يمنعه قانون مجلس المنافسة ويحذر منه.
إن تحرير الأسعار يمنح لأصحاب الشركات حرية تحديد الثمن وفق ما تجري به العادة في دول
العالم، لكن تلك الأسعار، في نفس الوقت، محددة ومؤطرة بقانون المنافسة الذي صغناه
ودافعنا عنه في سنة 2014، فإن المنافسة يجب أن تكون بين شركات المحروقات المشتغلة
الآن، وأن لا يكون الاتفاق بينها على سعر معين. ومن أدوار المجلس مراقبة وتتبع ما
إذا كان هناك اتفاق خفي بينهم، لأن هذا يضر بالقدرة الشرائية للطبقات المتوسطة
والمعوزة.
كان مجلس المنافسة موجودا منذ سنة 2001، لكنه لم يكن مفعلا ويقوم بدوره. وكان له رئيس، وبالتالي لست أنا أول رئيس لمجلس المنافسة. هذا الشخص كان يشغل مسؤولية كبيرة في إحدى الإدارات. وعندما وجد القانون لا يخول له أية صلاحيات وأنه مجرد مجلس استشاري، توارى إلى الخلف فبقيت مهام المجلس معلقة إلى غاية تعييني.
خلال تعييني اخترت المضي قدما والدفع بتغيير القانون وإصلاحه، لكي لا يكون مصيري كمصير من سبقني، وألا يبقى المجلس استشاريا فقط. وفي خضم نضالنا من أجل تغيير القانون، قمنا بعدة دراسات في مختلف القطاعات، وقدمناها للرأي العام وللصحافة. اشتغلنا وكأننا تحت الطلب من جهة ما.
كان الوزير الأول عباس الفاسي منزعجا من كثرة تحركاتنا وتواصلنا مع الصحافة، فأخبرته أننا في المجلس نشتغل مع الألمان، وهؤلاء الألمان علمتنا مدرستهم في الاقتصاد أن الحليف الأساسي لمجلس المنافسة هي الصحافة.
لم نستطع بالفعل أن نؤثر في تلك الفترة على قرارات الحكومة، أو تغيير أي شيء في ما يخص المنافسة وضبط الأسعار. خلال تلك الفترة، وقفنا على العديد من الاختلالات وكشفنا هذا للعموم. لكن لم تكن لدينا صلاحيات أكثر . وفي 2014، نجحنا في تغيير النص القانوني، واصبحنا مستقلين ونحظى بصفة تقريرية وبالإحالة الذاتية وباستطاعتنا إجراء تحقيقات في الشركات، مثلما ما تعمل به مجالس المنافسة في العالم لكن ما إن تغير القانون حتى انتهت مدة اشتغالنا وكان على الرئيس الجديد إدريس الكراوي من بعدي تطبيق القانون.
عندما حل الكراوي بعدي في 2018، اعتمد على دراسة كنا أعددناها حول النفط. فوجد من خلالها اختلالات في أسعار المحروقات، وبسببها اختلف مع أعضاء المجلس، فرفع تقريره، إلى الملك. على إثره، قرر الديوان الملكي تعيين لجنة خاصة لمراجعة التقرير حول المحروقات وتم إعفاء الرئيس بحسب الواقعة الشهيرة.
كان لبعض الجهات مصلحة ألا يمر القانون لأكثر من 20 عاما. كما أن اللوبيات موجودة في أي قطاع، وبعضها يصل إلى تهديد الحياة الشخصية للمسؤولين، أنا لم اتعرض لهذا الأمر في مدة رئاستي، وكل ما لمسته الانزعاج من طرف بعض القطاعات، مثلما حصل عندما قدمنا تقريرنا حول قطاع الاتصالات وتكلفتها المرتفعة في المغرب.
كنا ندافع في المجلس عن فكرة إنهاء صندوق المقاصة. فبحسب دراسة تتعنا فيها النماذج الشبيهة لصندوق المقاصة في العالم، وجدنا إن دولا مثل البرازيل وأندونيسيا، تخلت عنه. البرازيل حذفته وعوضته بإعانة على شكل شيط وليس مال يقدم للفئات الضعيفة، بالتحديد للمرأة لتشتري به أغراض البيت. في المغرب وجدنا أن من ينتفع من صندوق المقاصة هم الميسورون في الدخل، بل والأغنياء؛ أي 80 في المائة من الإعانة تذهب إلى من هم أكثر غنى، والـ 20 الباقية يستفيد منها الفقراء والضعفاء. ثم ما معنى أن يشتري الغني الخبز بدرهم وعشرين سنتيما، ألا يجب أن يشتريه بأكثر من ذلك؟ قدمنا الدراسة لرئيس الحكومة آنذاك، عبد الإله بنكيران، وكان متحمسا ومدافعا عن مقترحاتنا، لكن أحزابا أخرى وقفت ضده.
علينا في الوقت، الذي نقوم فيه بإصلاح صندوق المقاصة، أن نقوم بالموازاة بسياسات أخرى تدعم الطبقة الوسطى. إن مسألة الإصلاح الاقتصادي هي منظومة متكاملة. ولا يجب الاقتصار على صندوق المقاصة فقط. وبالفعل ستتضرر الطبقة الوسطى من إلغاء صندوق المقاصة إذا لم نصلح أشياء أخرى ولم تكن لدينا سياسة اقتصادية شاملة.
هناك اتجاهان في استراتيجية النمو، إما الاتجاه الذي اتخذته الصين وكوريا الجنوبية وتايوان، وهو أن تركز الدولة، في ظرف زمني محدد، على الاقتصاد بالأساس أكثر من تركيزها على الجانب الاجتماعي، فتدعم الاستثمار وتجلبه للبلاد وتنافس الأجانب في اقتصادهم. في هذه الحالة يجب على الفئات الضعيفة في المجتمع، أن تقدر الأمور وأن تصبر تلك السنوات، لكنها سترى انعكاسات هذا الاختيار على أولادهم وعلى الأجيال اللاحقة. هذا هو النموذج الليبرالي الصرف، الذي قامت به بعض الدول ونجحت. وقد عاينت بنفسي ما حصل بتايوان عندما زرتها قبل عشرين عاما، والآن أنظر إلى سلم الأجور بها يفوق فرنسا.
الاتجاه الآخر هو الليبرالية الاجتماعية، الذي تنهض فيه الدولة بالشأن الاقتصادي وتدعم فيه اقتصاد السوق، وتراعي في نفس الوقت الحقوق والشؤون الاجتماعية. صحيح أن الدولة المغربية تنهج هذا المسلك، وتحقق بذلك توازنا اجتماعيا يضمن الاستقرار، لكن وتيرة النمو تكون فيه بطيئة.
الاتجاه الذي يسلكه لمغرب الآن جيد وليس سيئا، لاسيما اهتمامه بالشأن الاجتماعي لكنه في اعتقادي لو سار في الاتجاه الأول، بالرغم من انعكاساته الاجتماعية، سيكون أكثر فعالية، فهناك فئات كثيرة من المجتمع، خصوصا الشباب، في حاجة للاستثمار وتنتظر تحريك عجلة الاقتصاد بوتيرة اأكبر. وبالتالي على السياسة الاقتصادية أن تكون أكثر نضجا.
مجلة زمان، العدد: 109، نونبر 2022. هذا النص مقتطف من حوار أجراه غسان الكشوري.
إرسال تعليق