U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

كيف تزوجتني تلميذتي؟

 


بقلم: مصطفى بوكرن

أشرح الدروس، أوزع نظراتي على جميع التلاميذ والتلميذات، دون أن أركز نظري في تلميذ أو تلميذة. تلميذة واحدة، إذا نظرت إليها، أشعر بطاقة خرجت من عينيها واخترقتني، أحاول أن اتماسك، وأن ظل مسترسلا في شرحي للدرس.


أشرح دروس الرياضيات لتلاميذ الثانية أولى باك، حينما أقف أمام تلاميذ الثانية باك اقتصاد، أجد نفسي في امتحان العيون مرة أخرى. لا يمكن لي أن شرح درسا مغمض العينين، أجتهد في غض بصري، وكلما وصلت إلى تلك التلميذة ذات العينين الساحرتين اللتين ترسلان رسالة تخترقني، أقفز بنظري لأنظر إلى تلميذ او تلميذة اخرى.


كلما أطلقت بصري في تلاميذ القسم، أجدها تنظر إلى وهي تلميذة مؤدبة مجتهدة جميلة فاتنة، أجد نفسي محاصرا بهذه الأوصاف، لا أستطيع أن أهاجمها وأطلب منها أن لا تنظر إلي، لأنها تلتزم بكل ما أريد منها في القسم، الانضباط، الحضور في الوقت، المشاركة في القسم، إعداد التمارين، من المتفوقات في المادة، تفرض احترامها التعليمي..


لكن شيئا واحدا، يزعجني ويشوش علي كثيرا، تنظر إلي بنظرات لا كالنظرات، فتجعلني في ورطة حقيقية، هل أصمت، لو فعلت ستعذبني أم أنبهها إلى ما تفعل، وإذا نبهتها قد أسيء الظن إليها، وتفهم أنني مريض القلب؟


فأنا في ورطة حقيقية..ماذا أفعل؟


اكتشفت بعد مدة أنها تتابع ما أكتب في الفايسبوك، ولذلك، جاءتني بعد فترة، وتطرح علي سؤال حول الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز؟


ابتسمت، لأنني من عشاق هذا الأديب الرائع صاحب مدرسة الواقعية السحرية الذي توفي سنة 2014، وولد سنة 1927، بأراكاتاكا بكولومبيا، وعاش مع جده وجدته؛ التي ألهمته أن يكتب رواية مائة عام من العزلة، لأنه قارن بين رواية المسخ للأديب النمساوي كاكفا، وبين حكاياتها العجائبية الغرائبية، فوجدهما متطابقتين.

 

قارن بين رواية المسخ للأديب النمساوي كاكفا، وبين حكاياتها العجائبية الغرائبية، فوجدهما متطابقتين.


هذا الذي قلت لها، وأنا أقاوم نظراتها، بل طاطأت رأسي أمام تلميذتي النجيبة، خفت أن تسحرني بيعينها، وأنا الأعزب الذي لم يتزوج بعد...وأقول في نفسي: يارب سلم، يا رب سلم..هل يمكن أن تهزمني هذه التلميذة..


اعتذرت لها بسرعة، لأنني مشغول، وشكرتني بلطف، خرجت من الثانوية، تتجاذبني الوسواس، وأثبت نفسي، لكن شياطني، يحرضني على أن أقول، ربما تحبني، وتروادني، وأنا أتمنع، وبحثث في سيرتي واهتماماتي ثم استهدفتني، بقصة الروائي غابرييل.


بعد هذا الحدث، حضرت في الحصة المقبلة إلى قاعة الدرس، سيرا على نفس العادة مجتهدة مشاركة منضبطة، ترتدي ثيابا أنيقة، لكنها تقتلني بعينها، كنت اخاطب نفسي: اهدأ، هل أنت مريض القلب؟ لكن أرد على نفسي وما العيب لو وقعت في حبها وأحبتني؟


بعد نهاية الحصة، جاءتني برواية مائة عام من العزلة التي صدرت سنة 1967، وأخبرتني أنها قرأتها كاملة، تفاجأت، وابتسمت فابتسمت، ونظرت بدقة في عينيها، كدت أن يغمى علي، إنني أنا وهي لوحدنا في القسم..




بدأت التلميذة، تحكي القصة دون أن أطلب منها، ذلك، تقول يا أستاذي العزيز، إن الرواية ليس صعبة كما يظن البعض، فهي سهلة جدا، فقط على القارئ ان يصبر عند قراءته مائة صفحة الأولى، وان يحفظ الأسماء جيدا، وان يميز بين الأب خوسيه أركاديو بوينديا، والابن خوسيه أركاديو، والحفيد، أراكاديو..وهكذا..عليه أن يحفظ الأسماء بدقة..


وقالت، إن الرواية هي رؤية فسلفية، تجاه الغرب، بما ينتجه من منتجات التحديث، القطار، الكهرباء، الهاتف..، فماكوندو، القرية التي كانت تجتهد لتنفتح على العالم، وتخوض تجربة التحديث الذاتية، انقلبت رأسا على عقب حينما حل الامريكي براون صاحب شركة الموز، هذه الشركة الأمريكية، أسست نظام الحكم، وجاءت بعادات وقيم استهلاكية جديدة، دمرت ما كوندو، فبعد أن احتج العمال على شجع الشركة، رفضت الشركة الاستجابة لمصالبهم، فقامت بقتل ثلاثة آلاف مواطن، ورمتهم في البحر..، بتواطؤ مع الجيش، فالشركة هي من صنعت الدولة. يا أستاذي العزيز، لا يمكن أن ننهض إذا فرطنا في استقلالنا الذاتي..، ونحن المغاربة عشن هذه التجربة في فترة الحماية، فمكوندو موجودة في كل دول العالم الثالث، دول ما قبل الاستعمار، وحال ماكوندو، هو نفس حال الدول المستعمرة.


إن الرواية هي رؤية فسلفية، تجاه الغرب، بما ينتجه من منتجات التحديث، القطار، الكهرباء، الهاتف..



باختصار يا أستاذي الحبيب )قالتها انخطف قلبي( إن رواية مائة عام من العزلة هي: موقف من الرأسمالية المتوحشة التي تبسط سيطرتها عبر أهم أدواتها الدولة الحديثة.


جلست كتلميذ أمام أستاذته، أسمع منها، قراءة للرواية، وبدأت أنظر في عينيها، نظرة إعجاب وتقدير، أحسست بسكرة زراتني. شكرت التلميذة على اجتهادها، ورجعت إلى البيت، مرفوعا إلى السماء..ومن حسن الأقدار أن هذه القصة وقعت قبل أيام من نهاية السنة الدراسية. وكان هذا آخر لقاء لي بها، وبعد أيام اتصلت بي هاتفيا، صدمت بهذا الاتصال، تساءلت من أين جاءت برقم هاتفي.


قالت لي: أستاذي أشكرك على مجهودك الكبير في تدريسنا لهذه السنة، أستاذي الكريم انا أعشق الرواية، ولا أجد من أناقش معه ما قرأ، أنا وحيدة وحزينة وأشعر بالكآبة، فهلا يا أستاذي، ساعدتني على أن تخرجني من وحدتي ولو مرة في الشهر نلتقي. أخبرك أستاذي أنني نجحت في الباكلوريا، وها أنا غادرت الثانوية، لكن قلبي لم يغادرها...


وجدت هذه التلميذة تحصارني من كل الجوانب، فاتنة، مؤدبة، قارئة، مجتهدة، وحيدة، تحب الرواية، اكتشفت أنها تشبهني انا أيضا، فأنا لا صديق لي في المدينة، وأدمن قراءة الروايات، ولا أجد صديقا اناقش معه ما أقرأ.


تساءلت: ماذا لو علم التلاميذ والأساتذة أنني في علاقة مع تلميذتي؟ اضطربت في البداية، لكن فرحت، نحن في عطلة والتلميذة غادرت الثانوية، وأصبح قلبها معلقا بي. ضربت موعدا معها على جانب كورنيش البحر، التقينا وتناقشنا كثيرا حول رواية مائة عام من العزلة، ختمنا النقاش، ولمحت لي بلطف أنها تحبني..


كان هذا اللقاء بداية تفكيري في الزواج بها، اتصلت بأبي...في نفس العطلة الصيفية، خطبتها وعقدنا العقد...، وهي الآن زوجتي، أنجبت طفلة جميلة..


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة