U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

إدريس الكنبوري يكتب: لماذا لا يعترف الجابري بالفقهاء في العقل الأخلاقي العربي؟







بقلم: إدريس الكنبوري


 يزعم محمد عابد الجابري في كتاب "العقل الأخلاقي العربي" أن قيم الطاعة هي التي سادت في نظام القيم "العربي" وأنها جاءت من الموروث الفارسي واليوناني؛ ودخلت الثقافة العربية مع الأمويين والعباسيين. وكما قلنا سابقا فهو غير مقتنع بدور القرآن والسنة في صياغة القيم؛ بل هو يتحدث عن "أخلاق عربية" ويضع الموروث العربي قبل الموروث الإسلامي في تراتبية القيم؛ كأن الإسلام لم يغير شيئا ولم يحدث ثورة في القيم؛ ولم يؤسس قيما عالمية. بل إنه في التكوين يقول عبارته الشهيرة "الأعرابي صانع التاريخ العربي"؛ الأعرابي وليس المسلم.


ومشكلة الجابري في كل "مشروعه" أنه يعتمد على كتب بعض الفلاسفة والأدباء في قراءة الثقافة العربية؛ ويخرج بخلاصات يعتبرها علمية. ففي حديثه عن القيم مثلا يعتمد على ابن المقفع وعبد ربه وأدباء آخرين؛ وبعض الفلاسفة مثل الفارابي؛ ولكن ماذا كان يمثل هؤلاء في تاريخ الفكر الإسلامي وما مدى تأثيرهم؟ إن كتب الفلسفة والأدب لا تعكس الصورة الحقيقية؛ لأن تاريخ المسلمين هو تاريخ الفقه؛ والفقهاء هم الذين كانوا أكثر تأثيرا وليس الأدباء والفلاسفة الذين كانوا مجرد نخبة معزولة لا يهتم بها سوى الخاصة. وهل كان العلماء والخطباء والوعاظ وأهل التربية يستشهدون في دروسهم الدينية بالفارابي والرازي وابن المقفع أم بالآيات والأحاديث؟.


لقد ركز الجابري على قضايا سطحية وهامشية لكي يعزز رأيه في سلطان الموروث اليوناني والفارسي وفي سيطرة قيم الطاعة الكسروية؛ ونسي آلاف الفقهاء الذين كانوا يحتجون على السلطة ودخلوا السجون أو قتلوا؛ كما نسي كتب الفقه التي تتحدث عن شروط تولية الحاكم والخروج عليه. لقد أهمل تسعين بالمائة من التراث الفقهي واعتمد على عشرة بالمائة من التراث الفلسفي والأدبي لكي يدافع على أطروحة غير سليمة.


ومن مظاهر تناقضات الجابري العظمى وهي كثيرة أنه في كتابه عن المثقفين في الحضارة العربية يعتبر محنة ابن حنبل نموذجا لمحنة "المثقف" في الحضارة العربية؛ ولكن ابن حنبل من كبار الفقهاء؛ رغم أنه يعتبره مجرد مثقف لا فقيها مما يدل على عدم قناعته بدور الفقه؛ فلماذا يعترف بالفقهاء هنا ولا يعترف بهم في "العقل الأخلاقي العربي" ؟.

إنه واحد من الأسئلة المحيرة التي تطرحها كتابات الجابري.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة