U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

القادة الجدد لتيار الدفاع عن الإسلام في المجال العام.




بعد "هزيمة" حزب العدالة والتنمية المغربي في انتخابات 8 شتنبر 2021، انطلق النقاش للإجابة عن سؤال: هل انتهى الإسلام السياسي؟. وهذا السؤال طرح في غالبية الدول العربية، التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة، ثم غادروها إما بالانقلاب عليهم، أو بإخراجهم بأسلوب ناعم.

بغض النظر عن الموقف من هذه الضميمة الاصطلاحية "الإسلام السياسي"، أستعملها فقط، لتسهيل التواصل. إن نشأة "الإسلام السياسي"، له سياقات متعددة، ولا يمكن حصرها في سياق واحد، لكن أعتبر أن السياق الديني مؤثر في هذه النشأة، باعتبار أن القرآن والكريم والسنة النبوية تضم نصوصا لا حصر لها، تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتتوعد المتقاعسين عن ذلك، بالعذاب الشديد، وتعد المقبلين على ذلك، بالأجر الجزيل.

1- ظهور الداعية الديني


إن كل المسلم داعية إلى الله من منطلق ديني، بغض النظر عن السياقات الأخرى. لكن هناك فرقا كبيرا، بين دعوة المسلم الفرد، وبين الدعوة حين تتحول إلى تيار، له معجمه اللغوي، وله مواقف مع الفاعلين في الميدان، أكان منظما أم غير منظم. لأن التيار، يصبح مزاحما لباقي الفاعلين الأساسيين في المجتمع، وهنا يشتد الصراع، وتصبح الدعوة إلى الإسلام ذات نكهة سياسية.

بشكل طبيعي، المسلم داعية إلى الله، آمر بالمعروف وناه عن المنكر. وإذا كان المسلمون يعدون بالملايين في مجتمع ما، لكنهم مترددون في ممارسة هذه الوظيفة، فإنهم ينتظرون في كل مرحلة تاريخية، ان يظهر زعيم يعبر عن إرادتهم العامة: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". هذا الزعيم، يقود التيار، ويخوض التجربة، قد ينجح، وقد يفشل، وقد يتواطأ، وهكذا، إلى أن يغادر موقع الزعامة: إلى الموت، أو إلى السجن، إلى مصير آخر.
وبهذا، فإن غياب الزعامة، لا يعني موت الفكرة، التي يحملها الناس، بل إن الناس ينتظرون إلى أن يظهر شخص يعبر عن فكرتهم، ويستيقظون من سباتهم، لمواصلة المسيرة.

2- الإسلام السياسي فكرة وليس مؤسسة حزبية


إن أهم أفكار "الإسلام السياسي"، الدفاع عن الإسلام في الشأن العام، بانتقاد السياسات العمومية برؤية دينية: تتبع قانون المالية، وتوجيه النقد له، لأن يعتمد الخمور موردا ماليا. نقد البنوك الربوية... ثم ملاحقة الإعلام، وتوجيه سهام النقد بالأفلام والمسلسلات، وتعقب تصريحات الوزراء، إن لم يحسنوا التعبير عن الإسلام.

ليس بالضروة الإسلام السياسي، تنظيم حزبي، هو فكرة، والفكرة لا تموت. يمكن تلخصيها في الآتي: الإسلام شامل كل لمجالات الحياة، والحاكمية لله، ويلزم من ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذن، العمل هو دفع المتدينين وحشدهم ضد سياسات الدولة، ورسم صورة عن الدولة أنها تاركة للدين، ومناقضة للشريعة. وإقناع المتدينين أن الإسلام ليس صلاة وصياما بل اهتمام بالشأن العام. ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

ليس بالضروة الإسلام السياسي، تنظيم حزبي، هو فكرة، والفكرة لا تموت.

إن الذين يقولون بنهاية الإسلام السياسي، عبر الانتخابات أو الانقلابات، قولهم غير دقيق. نعم، ينتهي الأشخاص، لكن الفكرة لن تنتهي. الفكرة تبحث عن من يعبر عنها في كل مرحلة تاريخية، بأسلوب معين، وفق متطلبات المرحلة.

قد يقول قائل: هذه الفكرة يعتنقها جميع المسلمين، ولا علاقة لها بشيء اسمه الإسلام السياسي. هذا القول صحيح. ولكن دائما ينبغي أن نميز بين الممارسة العفوية التلقائية، وبين الممارسة التي تنطلق من نسق متماسك، يصدر عنه خطاب محدد، موجه إلى جمهور، له رهانات إصلاحية.

3- ياسين العمري وفكرة الإسلام السياسي


إن الحديث عن الداعية ياسين العمري، هو حديث عن التيار الذي كان، ويكون، وسيكون، ولن يموت أبدا، ويحمل فكرة نابضة بالحياة: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". كل ما فعله الداعية ياسين، هو التعبير عن هذا التيار، كما عبر عنه غيره من قبل، بشكل يبدو عفويا، فاحتضنه هذا التيار المجتمعي الواسع.

ظهرت براعة ياسين العمري قائدا باسم هذا التيار، عبر توضيح بالغ الأهمية:
- قراءة التوضيح من منظور أدب الحوار مع المخالف، قراءة قاصرة.
- أكد ياسين ما كتبته أعلاه، أنه يقوم بالتذكير بشيء ثابت عند المغاربة، الدفاع عن إسلامهم.
- التوضيح يستثمر مفهوم "الكلمة التوجيهية"، ولا يوجه إلا من كان قائدا أو زعيما لتيار.
- الاعتراف بأن الذي يؤطر الشأن الديني فتوى ودعوة، مؤسسة إمارة المؤمنين وما تفرع عنها من مؤسسات علمية.
- التأكيد على مؤسسات الدولة في حماية الأمن العام، من قضاء وأجهزة أمنية.

إذن، ياسين العمري، يقود تياره، ويصوب رؤيته، لمواجهة المنكر إذا ظهر في مؤسسات الدولة، من إعلام وغيره، دون تجاوز مؤسسة إمارة المؤمنين والمجالس العلمية، والقضاء والأمن يحرس الجميع. بهذا التوضيح، العمري إلى السياسة من بابها، وليس المقصود أن له حزبا، ويمارس خطابا وفق الممارسات الحزبية، بل يحدد رؤية الإصلاح، وتحديد الموقف من مؤسسات الدولة، أنه يريد أن يصلح من الداخل، ولو بالخطاب الدعوي الإصلاحي.

بهذا يظهر ذكاء ياسين العمري السياسي، فعلى مستوى الحكم والمؤسسات، يدعو تياره إلى الالتزام بهذه الثوابت، لكن على مستوى السياسات العمومية، إن ظهر ما يخالف الإسلام سيكون له بالمرصاد.

وهذه هي رؤية قيادات حزب العدالة والتنمية في الثمانيات، التي قامت بمراجعات جذرية، لكي لا تكون على منوال التيارات الإسلامية في المشرق، التي دخلت في نزاع مع أنظمة الحكم، من أجل تطبيق الشريعة. هذا التيار المغربي، يريد محاربة المنكر والأمر بالمعروف، باستثمار مؤسسة إمارة المؤمنين، التي تحمي حمى الوطن والدين.

قد لا يكون ياسين العمري مستوعبا بعد، حضوره كفاعل ديني مؤثر في النقاش العمومي، وأنه يتصرف بعفوية، وهذا وارد جدا. لكن الفاعلين الآخرين، لهم قراءتهم الأخرى، كلما ظهر رجل يعبر عن أحلام تيار مجتمعي، فاحتضنه هذا التيار، هنا يصبح التفاعل معه من نوع خاص.

هذا التيار المؤمن برسالية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينتظر من يحشده، ومن يعبر عن رأيه من داخل المؤسسات. هو تيار جديد، أبناؤه ولدوا نهاية التسعينات، وبداية الألفين. والآن يعيشون أواسط العشرينات. هذا الجيل يحتاج لمن يقوده، بعد أفول القادة السابقين: شخصيات ومؤسسات. خفتت شعبية الفزازي، أبو حفص سابقا عاش تحولات درامية، الحدوشي، لا شعبية له، الكتاني ضعيف التأثير، حماد القباج يجتهد بأسلوب أنيق، أحمد الريسوني مهتم بمشاكل المشرق، بنكيران يحكي قصصه عبر حلقات التفسير، حركة التوحيد والإصلاح تحول إلى جمعية لاحتضان أبنائها القدامى، للعيش على حنين الماضي، العدل والإحسان، تعيش صراعا داخليا حادا. أبو النعيم، الذي كان ناقدا للسياسات العمومي بقوة...هؤلاء عاشوا سنوات السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات.

الآن هناك جيل جديد، يحتضن الفكرة نفسه، يحتاج إلى قيادة جديدة، تتقن التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.خاصة أن المخزن المغربي، لا مشكلة لديه، في وجود تيار ديني قوي، بشرط أن يحترم الثوابت، ولا مشكلة لديه أن يتحول هذا التيار إلى حزب ويشتغل من داخل المؤسسات، لأنه سيظل دائما في حاجة إلى هذا النوع من الأحزاب، لخلق التوازن في المشهد السياسي، وعقلنة حضور المتدينين في الشأن العام.

هذا التيار المغربي، يريد محاربة المنكر والأمر بالمعروف، باستثمار مؤسسة إمارة المؤمنين، التي تحمي حمى الوطن والدين.

خلاصة:


عمليا، ياسين العمري، قائدا جديدا لهذا التيار، يحوز شرعية المواجهة الميدانية، ويقوم بفعل، ويعقلن نتائجه، ليظهر مثل قائد يسدد تصرفات المتدينين، ويحدد مواقفه من الحلفاء: حميد المهداوي، ومن الخصوم..

يصر بنكيران ان لا يغادر موقع القيادة التاريخية للدفاع عن الاسلام في إطار احترام الثوابت، ويحاول العودة بكل قوة عبر آية استوقفتني. لكن ياسين العمري يذكره قائلا: ألم يستوقفك انتهاك الحرمات في الإعلام؟.

نشهد نهاية قيادة قديمة، وميلاد قيادة جديدة..
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة