ذهبتُ وخطيبتي الى المقهى لمشاهدة مباراة المغرب
والجزائر. كان يوم السبت يوما متعبا، اجتزنا مباراة اطر الأكاديميات، وضربنا موعدا
مع المتعة لمشاهدة مباراة تندرج ضمن كأس العرب. اعتبرت هذا الحدث الرياضي فرصة
لاكتشاف حقيقة زوجة المستقبل. ولم يسبق لي أن شاهدت معها مباراة في كرة القدم.
اجتمع المتفرجون وكل ونيته. وفجأة، ظهر في الشاشة فوزي لقجع، وبعده حاتم عمور.
قبل الخِطبة يجتهد الرجل في عرض أحسن ما فيه، والمرأة من
باب أولى، وهذا الذي فعله عزيز أخنوش قال لحبيبته جماهير: تستحقين الأفضل. لأن
ذلك، يسهل المحبة والتقارب بين القلبين.
انا حاصل على الإجازة في القانون الخاص وهي حاصلة على
إجازة في الإنجليزية. كان تجمعني بها علاقة صداقة في الجامعة، نلتقي في
المكتبة، وأول ما تعرفت عليها، كان بسبب صديق يدرس معها، طلب منها
"هنريس"، فذقت منه، فوقعت في الحب. لم كن نبالي بما يسمى الفصائل
الطلابية، كنا نستمتع بالحياة، ونركز على دراستنا.
توطدت العلاقة بيننا، وكنا نلتقي ونرسم ملامح المستقبل.
كما يرسمها الآن، شكيب بنموسى. بصراحة، لم أذهب لخطبتها من أسرتها، لكن أسميها:
خطيبتي، لإعلان نواياي الطيبة، كسياسي يحب الخير لناخبيه، يقول لهم: صوتو علي
وخليوني مني ليهم.
جلسنا في المقهى، وتابعنا المباراة الساخنة. لم أكن
أشاهد ما يفعله اللاعبون في رقعة الميدان، بل اتابع ما تفعله خطيبتي. صدمت، رأيتها
متوترة جدا. لم اكن اتخيل يوما ان تقول لفظا معيبا، حين أكثر اسماعيل بلمقدم، من
إضاعة الكرة، وبدأ يغضب، رفعت يدها وقالت: سير... صدمت، تظاهرت بأنني لم أسمعها،
أما هي فكانت سكرانة بالكرة.
كانت تشتم كثيرا، ضربت يدها مع الطاولة حين سجل المنتخب
الجزائري، هدفه الأول. كنت مصدوما، لا أفهم ماذا يجري، وأتساءل: هل هذه زوجة
المستقبل؟، تظاهرت بأنني غير منزعج.
لكن حين سجل المنتخب المغربي هدفه الأول، قفزت من
مكانها، حتى رأيت صدرها يطير أمامها، وقامت بحركة رفع الساعد إلى الأعلى. هنا،
تخيلتها تربي أبنائي على هذه الحركات الخادشة للحياء. خفت على نفسي. كانت لا تهدأ
في مكانه، وفي كل لحظة تقف، وتقول: زيد، زيد، زيد.. ابتسمت وذهب خيالي بعيدا. واستعذت بالله من الشيطان
الرجيم.
رأيت خطيبتي في حالة هستيرية، حين سجلت الجزائر الهدف
الثاني، ضربت رأسها مع الطاولة. ظننت انه سيغمى عليها، قامت من سجدتها كأن شيئا لم
يقع.
تذكرت وعودها التي تشبه وعود عزيز اخنوش، كانت تعدني بأنوثة
باذخة الحياء، فإذا بي أكتشف انني ارافق امرأة جميلة يسكنها كائن مشرمل. وتخيلت
نفسي، أنني قمت باستفزازها يوما، فنطحتني.
لكن القشة التي قصمت أحلامي معها، حين سجل المنتخب هدف
التعادل الثاني، قامت صارخة، وعانقت شابا كان يجلس بجوارنا. هنا، قلت في نفسي:
وداعا، وتأسفت لأن بنموسى سيدخل إلى التعليم مثل هذا الجيل.
تماسكت، وكنت ابتسم لها، لكنني كنت هادئا، لا أريد أهدي
مشاعري لكرة مملوءة بالهواء.
لم يسبق لي، ان رأيتها تبكي. فاجأتني ببكاء جنائزي، بعد
خسارة المنتخب، أما أنا فكنت في قمة الفرح، لأن الكرة تكشف معادن الناس وحقيقتهم.
طمأنتها، وودعتها، كان لقاء المقهى آخر اتصال لي بها.
كانت تتصل بي على الهاتف ولا أرد. لكن أرسلت لها رسالة قصيرة، جاء فيها: سامحيني،
انا لا أصلح لك، أرجو لك مسارا موفقا في مهنة التعليم.
إرسال تعليق