U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

كيف تحمي نفسك من التوتر النفسي في مهنة التعليم؟





نحن نفكر باللغة، فتصبح اللغة تفكر بنا، ونصبح عبيدا لها. يتلقى الأستاذ زمن تكوينه معجما لغويا، يؤطر منظومة التربية والتكوين. يظن الأستاذ أن ذلك التكوين، سيجعله ناجحا، والحقيقة، أن المعجم اللغوي، الذي عشش في تفكيره، ما هو إلا آلية للضبط والتنظيم، وهذه إحدى وظائف اللغة، بعد وظيفتها التواصلية.

ينزل الأستاذ إلى الميدان، ويظن أنه سيجد المدرسة، والقسم، والتلميذ، ليشتغل بتلك المفاهيم التي تلقاها، ويجتهد في تنزيلها، فيجد نفسه متوترا باستمرار، وقد يؤدي به ذلك إلى أزمات صحية، وما أكثر أمراض نساء ورجال التعليم.

لو كنت أستاذا للتعليم الثانوي التأهيلي، وستشتغل داخل المدينة. في ذهنك، لفظ المدرسة، لكن هذا اللفظ، مفهومه يبنى بمعطيات الواقع. تدخل إلى قطعة أرضية شاسعة، بنيت عليها، مجموعة من البنايات، وهناك مكان فارغ، يسمى ساحة الرياضة، وهناك بيت واسع، وضعت فيه أسرة، يسمى قاعة الأساتذة، وهناك بيت ضيق، فيه كتب عتيقة، يسمى المكتبة..، وهناك مكان به ماء، تقضى فيه الحاجة، يسمى الحمام..، هذه القطعة الأرضية، محاطة بسور، يتخلله بابان: باب الأساتذة؛ وباب التلاميذ. وهناك صوت قوي مزعج، يعلن الدخول والخروج، يسمونه الجرس.

إذن، عليك أن تجتهد لتطابق ذلك المفهوم المثالي للمدرسة، فتصل إلى نتيجة، هذه ليست مدرسة، لأن فضاءها، لا يحمل دلالة تربوية، لغرس قيم الجمال والتنظيم. وبهذا، عليك، أن تسمي هذا المكان الذي جئت إليها باسم جديد، انت لست في مدرسة، بل في قطعة ارضية واسعة.

يحدثونك في مراكز التكوين عن القسم، وها أنت دخلت إليه. وجدت بيتا واسعا، فيه نوافذ كثيرة، مملوءا بالخشب، وليس الطاولات، محاطا بالطوب والسيما والصباغة البيضاء، ثم أمامك خشبة سوداء، تحتها الجير. ويقدمون لك، خشبة لتجلس عليها، وخشبة لتكتب عليها. أما أرضية القسم، فهي السيما قد يبست.

اكتشفتَ أن هذه المعطيات، لا تطابق اسم القسم التربوي، الذي ما إن يدخل إليه التلميذ حتى يشعر بالبهجة والهيبة، وإذا دخل إليه الأستاذ ازداد نشاطه. عليك أن تجتهد لتغير الاسم، ولذلك عليك أن تسميه: بيت بأربعة جدران.

لكن الصدمة الكبرى، تتمثل في البحث عن اسم التلميذ. تجد أمامك تلميذا، عقله شارد، يفكر في هاتفه، لا يستقر على مقعدته، قد يمدد رجليه طلبا للراحة إن كان زميله غائبا، فيتجرأ لوضع السماعات، ويسمع أغنية، للرابور طوطو، محفظة فارغة كفؤاد أم موسى. وإن جاء بدفاتره لا يكتب، وإن كتب تصاب بصدمة خطه. إن سألته عن عنوان الدرس في التقويم، يجيبك: آآآآ. وإذا تحدث معك، كأنك صديقه في رأس الدرب، وإن شارك في القسم، لا يقدر على صياغة جملة سليمة بالدارجة، وليس باللغة العربية. أكثر لفظ تخاطب به هذا التلميذ: اسكت. ويوم الامتحان، ينفضح المستور، يطالب بحقه في الغش، وإن لم تفعل، ستجد نفسك في ورطة، يوم تكتشف أنك أنت الأستاذ الوحيد، الذي وضعت نقطة سيئة لباقي التلاميذ، وعند الآخرين، يكرمونه بما تيسر من فتات النقط. وقد تكتشف بعد حين، لو استمررت في الصرامة والنتائج السلبية، ما لا يسر قلبك.

عليك، أن تعيد تسمية هذا الكائن، الذي أمامك، فهو ليس طالب علم، بل طالب صدقة، تجعله ينجح، فتقدم النجاح كصدقة لأسرته الهشة..

إلى هنا، تكتشف أنك في قطعة أرضية واسعة، تعمل داخل بيت واسع، فيه طلاب الصدقة. لو كنت إنسانا عاقلا، ستعيد تعريف وظيفتك، التي جئت من أجلها. أمام هذا الوضع، فانت لست رجل تعليم، تقدم المعارف، بأسلوب عصري متطور، يهدف إلى الجودة والإبداع، بل أنت حين تدخل إلى البيت الواسع، أمام طلاب الصدقة، يقارب عددهم 50 طالبا، هل هؤلاء يشكلون صفا تربويا؟، الإجابة: لا. لا يجمع هؤلاء طلب الصدقة: النقطة. لأن الصف تربوي، يكون فيه تقارب في المستويات المعرفية، تجد ألماسة في كيس تراب، ويقولون لك: درسه، لتصاب بالجنون، لأن هناك فوارق معرفية صارخة.

عليك، أن تعيد تسمية هذا الكائن، الذي أمامك، فهو ليس طالب علم، بل طالب صدقة، تجعله ينجح، فتقدم النجاح كصدقة لأسرته الهشة..


عليك، أن تعيد تسمية نفسك، أنت لست أستاذا، أنت فاعل خير، تقدم الريع، لإحقاق السلام الوطني.

قد تبدو لك هذه الحقيقة صادمة، ولكن لا تقلق، فالدولة تريد ذلك، لان من الوظائف الأولى للمدرسة، خلق الاستقرار والأمان. لا تنس أنت أجير عند الدولة.

إياك أن تفهم أنني بقولي هذا، عليك أن تتنصل من واجبك، قم بواجبك على مستوى الوثائق، والتزم بالمذكرات، كن مبدعا في ذلك، وسجل الغياب..، لكن علاقتك، أنت فاعل الخير، بطلاب الصدقة، شأن خاص، المهم هو أن تكون النتائج طيبة وجميلة.

أما التربية والتعليم هذا شأن آخر، يحتاج لمدرسة تربوية حقيقية، ويحتاج لتلميذ حقيقي، ولأستاذ حقيقي...

إذا قمت بإعادة تسمية منظومة التربوية والتعليم، ستشعر بالطمأنينة والسلام، لأن المصطلحات التي تقدم في معجم مراكز التكوين، هي مصطلحات تسمي واقعا آخر، غير ما أنت فيه، ولذلك، لو طبقته ستصاب بالجنون.

الأمم العظيمة، قد لا تمتلك المدرسة والقسم، لكنها تمتلك الإنسان، لأنه هو المادة الأولى للتربية والتعليم. لكن إنسانا مصاب بأعطاب كثيرة، فيستحق الرحمة والعطف.

لو استعنت بهذا الأسلوب، أن تعيد تسمية كل شيء، ستستمتع بوظيفة فاعل الخير. شغب التلاميذ، كسلهم..، كله ستنظر إليه نظرة الرحمة والشفقة، فيحبونك.

جرب وسترى عجبا، راقب لغتك، التي تشكل تفكيرك، وتؤثر على مصيرك، فهل طلاب الصدقة، يمكن أن نخضعهم لامتحان صارم، أعد تسمية الامتحان، باسم جديد: التمرين، ويستحب لطلاب الصدقة، أن يتعاونوا بينهم، وقد تصدم بالنتائج الكارثية، فأعد تسميتها أيضا، وقل إنها نتائج مفيدة. لا تنس صحتك أهم من كل شيء.

إن تقنية إعادة تسمية العالم من حولك، هي أداة لإدارة فكرك ومشاعرك، فلا تترك لغة الآخرين، تكون سببا في تعاستك.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة