إن كنت حاقدا على بنكيران هذه المقدمة، أهديها لك: بنكيران شفار. بنكيران مفسد. بنكيران دمر صندوق التقاعد. بنكيران دمر صندوق المقاصة. بنكيران دمر رجال ونساء التعليم. بنكيران كلخ الشعب، بنكيران يمتلك فيلا فاخرة. بنكيران درس أبناءه في جامعات خارج المغرب. بنكيران تاجر دين. أضف إلى ذلك، بنكيران الأصبع الصغير لوزير الداخلية السابق إدريس البصري. بنكيران مخزني. بنكيران حكار. بنكيران مخلوض. بنكيران جاسوس. بنكيران يأخذ سبعة ملايين شهريا دون وجه حق. بنكيران لسانه سليط. بنكيران مهرج. بنكيران شعبوي. بنكيران إخواني. بنكيران عضو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في المغرب... إلا أنت وأنا اللذان نحقد على بنكيران ملائكة!
دعك من هذه المقدمة، فإن كنت حاقدا، فأنا أكثر منك حقدا. دعني الآن أتحدث مع غير الحاقدين على بنكيران. تفضل بالاستراحة. وإياك ان تنقل من المقدمة، لتعلق على تدوينتي.
تابعت الكثير من التحليلات لخرجة بنكيران الأخيرة. لاحظت أن أغلبها تحلل الخرجة بمعزل عن سياقات كثيرة، وذهب بعض المتحمسين إلى وصف بنكيران أنه: "رجل دولة". ترجحت لي قناعة منذ سنوات، أن بنكيران "لاعب سياسة" ينطبق عليه هذا الوصف بالتمام والكمال. ويلعب في قسم المحترفين، وكنت قد شبهته "بميسي السياسة" إلى أن أرسل إلي صديق بعد ذلك رابطا، لصحيفة إسبانية تصفه بميسي.
بنكيران لا تنطبق عليه، صفة: "رجل الدولة" كما هو متعارف عليها في المغرب: حين يكون في حكومة، يكون متحفظا، وحين يغادرها، يغطس في صمت طويل. بنكيران لا علاقة له بهذا النوع، لا من قريب ولا من بعيد. بنكيران يعشق السياسة كمعركة حامية الوطيس، وإن هدأ المشهد السياسي يختنق سياسيا. يتألق نجمه بوجود شباط والعماري والهمة.. وهنا تظهر بطولته، في الهجوم، والاختفاء، والمراوغة، والمناورة، والمباغتة، وطول النفس، والسخرية، والقهقهة، والبكاء... حيثما كانت المعارك الساخنة، فستجد بنكيران متألقا، له القدرة على قيادة الجنود، حين تخور قوى قيادات الصف الأول.
بنكيران منذ 2008، وقبل ذلك، وهو يقود كتيبة ضد التحكم، وكسب في معارك كثيرة، ساعده على ذلك المحيط الإقليمي وما عرفه من تطورات. ظهر كخالد بن الوليد يصول ويجول في ميدان المعركة. وخلفه جيش فيسبوكي عظيم. حقق انتصارات كاسحة في انتخابات 2016، فتم إصدار الأمر بمحاصرة قائد فيلق تيار مواجهة التحكم، وتم إسقاطه بالضربة القاضية في مارس 2017، لم يستيقظ منها إلا بعد أن وجد نفسه أزيح من الأمانة العامة، فخرج يتحدث عن وضعيته المالية. وقال لنا عبد الصمد بلكبير: إن بنكيران كان يفكر في بيع النعناع في باب الأحد! ولم ينكر بنكيران ذلك، لأن هذه الأخبار من بهارات المعارك.
ما يقوم به بنكيران لا علاقة له بصفة "رجل الدولة" ظل يضمد جراحه، وانبعث من تحت الرماد. من النادر أن نجد شخصا في السياسة، أريد اغتياله سياسيا، وواصل المسير. عاد بتدرج فريد من نوعه، لا كقائد في الحزب، ولا كرئيس حكومة سابق، بل كمحارب، كأنه سنو حين طعن فعاد الى الحياة، في مسلسل لعبة العروش.
بدأ يمارس لعبته السياسية، يظهر ويختفي كثعلب محمد زفزاف، إلى أن جاءه القدر، بطابق من ذهب اسمه "تطبيع العلاقة بين المغرب وإسرائيل". فخرج المنقذ من الضلال، يظهر تأثيره في المريدين، لكي يصمتوا، فصمتوا فعلا، فأشادت الأمانة العامة بخرجته، وهذه الإشادة تستلزم أن لا يعقد المجلس الوطني. استطاع باقتدار حماية القيادة الحالية من تسونامي الغضب، وفي ما سبق ناصر الغاضبين ونفس عنهم، بخرجات نارية، فهو مثل مؤشر الميزان، يميل ذات اليمين وذات اليسار. وسبق أن روى عن باها: إن الذي يبقى في الغابة ليلا بعد نزهة نهارية هو الأحمق.
السياسة، هي أن يكون لك حدس في قراءة الاتجاه العام، فتتبنى موقفه، ثم تقوده. وهذا الذي فعله بنكيران. يُظهر أنه مع الغضب المشروع ضد التطبيع، لكنه يستثمره في اتجاه آخر. ولذلك، استطاع أن يجمع بين القاعدة والأمانة العامة على رأي واحد، ويقول لهم بصريح العبارة: إذا راقتكم خرجتي فما جدوى المجلس الوطني؟ فكان الجواب: ألغيناه يازعيمنا المفدى.
بنكيران لا يصلح إلا لشيء واحد، أن يكون فارسا يحمل سيف كلماته، ويخوض الحروب بكتائبه الجرارة. كلما وقعت أزمة، له القدرة على قيادة الخائفين والمحبطين والمشككين.
أرى أن بنكيران، يقوم بالفعل ونقيضه، وهذا تصرف الفارس المحارب. لم يكن بنكيران يوما واضحا في السياسة، لأن هذا من مقتضيات الصراع. وهذه صفة إيجابية، وليست سلبية في الصراعات السياسية :"إنها الحرب والمكيدة". وهناك فرق بين الصدق والوضوح، بنكيران رجل صادق لكنه ليس واضحا. لأن لكل خلق مجاله. وهناك ضحايا كثر لبنكيران، لأنهم ينظرون إليه كمرشد عام صادق، ينطلق من معيار محدد، وهو ليس كذلك، فهو مقاتل في الميدان غير واضح، يهمه قراءة معطيات الصراع في الميدان، ويتفاعل معها.
يُقرأ بنكيران من خلال المعركة السياسة، وخصومه الذين يحيطون به، ومدى قدرته على المناورة والخداع وتسجيل الأهداف، للانتصار أو الهزيمة في جولات المعركة المستمرة..
ليس لبنكيران معيارا ينطلق منه، إلا معيارا واحدا، موقع خصومه في المعركة، هل هم متقدمون أم متأخرون. حين يرى الإحاطة به من كل جانب، ومحاولة قتله سياسيا، يهزم نفسه ويتراجع إلى الوراء، حين تخف قبضة خصومه، يتقدم إلى الأمام، فهو بين كر وفر.
ليس لبنكيران معيارا ينطلق منه، إلا معيارا واحدا، موقع خصومه في المعركة، هل هم متقدمون أم متأخرون.
وقد يتساءل البعض عن ما تبقى من المرجعية الإسلامية. الجواب بسيط، هذه المرجعية أهميته تتجلى في الضبط التنظيمي للأعضاء، أما في الحرب السياسية، فلا مرجعية إلا مرجعية ميزان القوى. موقعك يحدد قوتك.
ولذلك بنكيران، لم يقارب نهائيا قضية عودة التطبيع بين إسرائيل والمغرب، من خلال المرجعية الإسلامية، ولم يستعمل آية واحدة ولا حديثا واحدا في خرجته، وهو يدرك ذلك. بل إنه اعتبر نصرة القضية الفلسطينية ثقافة وليس عقيدة. بنكيران تحدث عن هذا الموضوع بمرجعية ميزان القوى، ومدى الربح والخسارة في هذه المعركة الكبرى التي تتجاوز المغرب، ولا يشكل البيجيدي فيها إلا نقطة، قد تسحق بنقرة. حقا، إن الحزب ربح في علاقته بالملكية، وبرهن بنكيران على ذلك بما معناه: نحن مع الملكية في السراء والضراء، كما هي معنى في السراء والضراء "تذكروا الضغط الإماراتي".
كل الذين يتحدثون عن المرجعات الفكرية بمناسبة التطبيع، حسب بنكيران، لا يفرقون بين الألف والزرواطة في السياسة. لأن بنكيران يرى أن المرجعية هي نفسها، لكن ميزان القوى هو الذي يفسرها في الواقع. ولذلك، من النادر أن تجد بنكيران يتحدث عن المراجعات الفكرية، لأنه يعتبر ذلك في حديث سابق له، أشبه بلعبة الكلمات المتقاطعة.
سبب نجاح الإسلاميين الإصلاحيين المغاربة، تخففهم الكبير من "الأفكار المكتوبة" في الأوراق، ورائدهم في ذلك هو بنكيران، يحضر جامعة الصحوة الإسلامية في بداية التسعينات، ولا يقرأ شيئا مما اتفق عليه الإخوان في المقر، وكتبوه كلمة كلمة، بل يرتجل كلمة عفوية، تتحدث عن نقطة واحدة: الحرية في تأسيس حزب سياسي.
والآن، نعود إلى الحقد على بنكيران، فانا حاقد عليه، والكثيرون حاقدون عليه. وهيا نحقد على بنكيران، وهيا هيا نلعب سويا..
إرسال تعليق