U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

المقامة الزفزافية

 




بقلم: مصطفى بوكرن

حدثنا عيسى المهداوي قال: "أنشأتُ موقعا إلكترونيا، لكي يكون بديلا إخباريا. رحتُ أبحث عن الأخبار، دون ملل بالليل والنهار. كانت الحقيقة غائبة، والرائجة بها شائبة. استيقظ الشعب وثار، فأصبح النظام يلعب بالنار. رفض الجلوس للحوار، وملئت الميادين بالثوار. انتفض أهل فاس، وتضامن معهم أهل مكناس. بلغت القلوب الحناجر، وتبرأ المحتجون من استعمال الخناجر. أعلنوا شعار السلمية، ورفضوا الجحافل العسكرية.

اتصلتُ بقادة الأحزاب السياسية، فطالبوا باحترام الثوابت الوطنية. هاجم المحتجون نخبة التواطؤ، وشجعوا الشرفاء على السرعة لا التباطؤ. التف الشعب حول المطالب، وأوصاهم بالتفطن للمقالب. ولا يتأثروا بأخبار الثامنة على الشاشة، ولا مسيرات ولد زروال والعياشة. لا يعرف الشعب النهاية، ويطلبون من الملك الرعاية. هدفهم إسقاط الفساد، وإحلال الديمقراطية مكان الاستبداد. أما إسقاط النظام فتهمة زائفة، وأما مخطط الانفصال فنكتة سخيفة.

دلني صديق خبير، لزيارة شيخ كبير. عنده الجواب الكافي، لمن سأل عن الحل الشافي. سافرت إلى مدينة الحسيمة في الصباح الباكر، دخلتها قبل الزوال مطوقة بالعساكر. كنت أنتظر هاتف صديقي، وأنا أواصل المشي في طريقي. وقفتْ على يميني سيارة سريعة، فاستقبلني بكلمات بديعة. قلت له: أين مسكنه؟ أجابني مبتسما: هناك موطنه. سألته مستغربا: هل سنزوره في الضريح؟ قال: هو هناك يداوي قلبه الجريح.

كان جامد الأركان، لكنه حي اللسان. زرته في شهر فبراير السعيد، عام 2070م المجيد. بلغ من الكبر عتيا، يقول حِكما تنبض رقيا. لم أعرف اسمه، ولا ذكّرني رسمه. طلب مني صديقي حسن الإنصات، ففي كلامه نبوءة لما ما هو آت.

سألته، فقال: "سؤالك عن الحل، اسمع إجابتي ولا تسل. طالبتُ ببناء مستشفى للسرطان، يكون قِبلة للأهل والخلان. وإنقاذ الشباب من البطالة، فجوهر المشكلة العطالة. تدفع الشباب إلى الهجرة السرية، فيرجعون إلى وطنهم في الأكياس البلاستيكية. ورفع العسكرة عن المدينة، لنزع الأحقاد الدفينة.

كنتُ أواجه عصابة، نزعتُ من قلبي الخوف والمهابة. أطل من الفيسبوك على المناضلين، لأحشدهم بغضب إلى الميادين. تابع لايفاتي الملايين، وكان يقيني في الله رب العالمين. اجتمع الرجال والنساء، ورفضوا سياسة الإلهاء. رفعنا شعارات تنموية، ولم تكن شعاراتنا سياسية. واجهنا النظام بالآذان الصماء، فأجج غضبنا ليصل عنان السماء.

اجتمعت الأغلبية الحكومية، فأعلنت الحراك جبهة انفصالية. أحاطت الشرطة والعسكر بالجميع، لتفتك بنا فتك الصقيع. تواطأنا على صد الإهانة، ولن نبيع أنفسنا للخيانة.

أعلن المحتجون عن يوم الحسم، فخطط النظام للضرب بحزم. احتشد المناضلون في المسيرات، وهبوا من كل الأحياء والجهات. تحركت قوات الأمن بغزارة، فوجدوا في مواجهتهم أطفال الحجارة. أطلقوا قنابلهم المسيلة للدموع، فواجهناهم بقوة دون خنوع. غضبت وزارة الداخلية، واتهمت المحتجين بالأعمال التخريبية. نشرنا صور الدماء على الطرقات، فهاج الشعب إثر هذه الانتهاكات.

اختفيتُ عن الأنظار، فأرسلوا لي كومندو طيار. اعتقلوني بأسلوب مهين، حتى تنهار قوتي وتلين. أخرجوا صوري عاريا، فأعلن المناضلون موقفا ناريا. اعتقلوا قادة الحراك فردا فردا، وأخافوا سكان المدينة واحدا واحدا.

كان حميد صحفيا مهموما بالمعتقلين، خرج يبحث عن مأساة المهمومين. اعتقلته السلطة بتهمة غريبة، ولم تتراجع عن تهمتها العجيبة، ذكرني هذا، بلافتة لأحمد مطر، كلماتها يخشع لها الحجر: كنت أسير مُفْرداً. أحمل أفكاري معي، ومنطقي ومسمعي. فازدحمتْ من حولي الوجوه. قال زعيمهم: خذوه. سألتهم ما تهمتي؟ فقيل لي: تجمع مشبوه.

انتظرتْ الأمهات حكم القاضي العادل، على خيرة شباب الريف الفاضل. دافعوا عن وطنهم متصلا، ورفضوا وطنا منفصلا. استغرب الشعب الأحكام القاسية، على جيل مؤمن بالروح الوطنية. وجاءت الصحافة إلى الرميد وزير حقوق الإنسان، فاعتذر بالتوجه إلى القطار في أمان".

سألته: "هل تحدثني عن الحراك الذي انطلق سنة 2016 ميلادية؟". نظر في عيني، وأمسك بكفي، ثم قال: "نعم، ظن النظام أن السجن هو الأساس، لوكان حلا لما انطلقت انتفاضة يناير سنة 2070م في فاس. العدل هو الأساس، لحل مشاكل الناس".


العدل هو الأساس، لحل مشاكل الناس


سألته بلطف: من أنت؟ قال: أنا ناصر الزفزافي، ابن الريف والفيافي. أجبته مندهشا: ظننتك يا سيدي وفاتك المنية، مثل جدي حميد مهداوي في السنوات الماضية. قال مبتسما: أنا فكرة شعب عظيم لا أفنى، وإن اعتقلوني في السجن فسأبقى.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة