كانت تعرف سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات صراعا حول الحكم بين المخزن والأحزاب السياسية المعارضة، لكن في آخر حياة الحسن الثاني، تم طي هذه الصفحة، والانتقال إلى صفحة جديدة بقيادة الملك محمد السادس، ولا أحد ينازعه الحكم، حتى أن هناك من أطلق: "معارضة صاحب الجلالة". وأصبح الخلاف بين الأحزاب في التدبير الحكومي والجهوي والإقليمي والمحلي. لكن هناك خطابا لم يندثر، حتى بعد مجيء الملك محمد السادس، وهو أن الإشكال ليس بين الأحزاب فقط، بل إن إشكالية الحكم في المغرب مازالت مستمرة، وان هناك دوائر، تستفيد من فائض السلطة، لممارسة تحكمها واستبدادها. هذا الخطاب احتضنته فعاليات نخبوية، جرائد، شباب منتفض في 20 فبراير...، آخر من ظل يروج لهذا الخطاب أخبار اليوم، وتوفيق بوعشرين بافتتاحيته الأنيقة، وسليمان الريسوني بافتتاحياته القوية...
إذن، ما نعيشه هو استمرار لصراع قديم، ظهر بدموية في بداية حكم الحسن الثاني، وظل يخفت إلى أن جاء الملك محمد السادس، ثم بدأ يظهر تدريجيا محتشما، وأصبح محتضنا من طرف جرائد معينة على الخصوص.
بكل تأكيد هذا الصراع، ستستعمل فيه كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة، الصراع حول الحكم، أو الصراع مع دوائر القرار، هذا صراع لا ينضبط لما هو عقلاني أو قانوني، والتاريخ شاهد على ذلك.
المخزن المغربي، لن يسمح بخطاب ينتقد الحكم أو من يحيط بالحكم، وسيواجهه بشراسة، بمختلف الأساليب والأدوات، التي تناسب طبيعة الصراع في هذه المرحلة.
لكن المثير للانتباه، أن الخطاب السياسي الناقد للحكم و من يحيط به، لا يجد هيئة منظمة، داخل المغرب تحتضنه، بل الذي يحتضنه، قنوات اليوتيوب، قد يكون هناك خلاف بين رواد هذا الخطاب في اليوتيوب، لكن لهم نفس الخطاب في المواجهة. ولذلك، ستجد أن قضية سليمان الريسوني يحتضنها هؤلاء أكثر من طرف آخر. ويمكن أن أشير إلى أن المهداوي يعاني، يريد تسويق نفس الأطروحة، هناك إشكال في محيط الملك، ويبايع الملك، ويحترم شخصيات معينة، لكن لازال يركز على نفس الفكرة، فيتعرض للنقد من قبل راديكاليي اليوتيوب.
بعد هذا التحليل، سيتضح لنا بجلاء، حقيقة قصة المثلي الجنسي آدم...وستتضح لنا كل المظاهر، التي ليست ثابتة، بل هي متحولة، لكن جوهر الصراع قديم، يطغى في زمن ويخفت في زمن آخر، وتتغير وسائله بحسب تغير معطيات الزمن.
هذا صراع بين طرفين، وهو صراع سياسي:
الطرف الأول: يرى أن المشكلة في من يحيط بالحكم، وهناك من يتجرأ ليشير إلى الحكم مباشرة.
الطرف الثاني: يرى هؤلاء مجموعة من المرتزقة، لهم أجندات خارجية، يريدون إثارة الفتنة في الداخل، ويستقون بالخارج.
لكن المخزن بنفسه الطويل، يدبر هذه المعركة كالآتي:
يسجن هؤلاء، ثم يتصالح معهم، ثم يستفيدون من الريع، ثم يصبحون مدافعين عن المخزن. وهذه وصفة المخزن المجربة، يمكن أن أنشر لكم قصص الكثيرين، من اليساريين والإسلاميين، الذين كانوا يريدون إسقاط الحسن الثاني.
هكذا يتم تدبير الصراع، باستقطاب المؤثرين في الخطاب، فيتمم تفكيكهم، باحتواء العناصر المؤثرة، فينفض المتحمسون من حولهم.
أما خطاب الخارج من فرنسا أو أمريكا، فهي تستغل هذا الصراع لصالحها، من أجل المزيد من المصالح، ولا تهمها لا ديمقراطية ولا حقوق إنسان.
هناك لعبة سياسية، يرعاها المخزن المغربي، من خرج عليها، وأراد أن يهدمها، بانتقاد صناعها، وفضح أساليبهم للرأي العام سينكل به، هذه اللعبة هي: دعوة المواطنين إلى الانتماء إلى الأحزاب، وتحفيزهم على المشاركة في الانتخابات، والأحزاب تتحرك في دوائر مرسومة لها بعناية، ولك أن تأكل ما تشاء، وإياك أن تخرج لسانك في من يهندس اللعبة، وإن استعملت تقنية : "عاش الملك"، لضمان الحماية، لأن المخزن يقول: "لي كيبغي سيدي علي بوغالب خصو يبغيه بقلالشو" أو في رواية أخرى، حين رفض بوستة الانضمام إلى حكومة فيها البصري، فقال له الحسن الثاني: بيننا البصري، أنت ضرب فيه وأنا نضرب فيه، رفض بوستة، فرد عليه الحسن الثاني: واش باغي تواجهني مباشرة، تقدر علي.
الآن، هناك وسائط كثر، توضع للأحزاب لضربها، مدير جريدة، ناشط فيسبوك.. يا لها من مفارقة!
"عاش الملك، ولكن"، لا تحميك، قد تدخلك إلى السجن، إذا أردت إسقاط المحيطين به، أو المحيطين بالمحيطين به، أو المحيطين بالمحيطين بالمحيطين به. لأن الحكم بنيته بالغة التعقيد، وحين قال بنكيران هناك دولتان، رد عليه أستاذ العلوم السياسية عبد الله ساعف: "هناك دول"، أي، هناك حكام كثر في المغرب. وبهذا، فعبارة: "عاش الملك" عبارة إيجابية جدا، فيها إثبات الحكم لملك شرعي، والثورة ضد من ينازعه الحكم، أو يستغل قربه ليكون حاكما.
"عاش الملك، ولكن"، لا تحميك، قد تدخلك إلى السجن، إذا أردت إسقاط المحيطين به، أو المحيطين بالمحيطين به، أو المحيطين بالمحيطين بالمحيطين به.
بمعنى آخر، ندور وندور، ونرجع لما قاله العروي هناك الدستور المكتوب، وهناك الدستور الشفوي!
هل هذه المعركة ستنتهي، لن تنتهي أبدا، لكن ضحاياها كثر، بحسب طبيعة الصراع...
وتبقى المشكلة الأزلية، أن الوسائط التي توضع "للركل والضرب"، قد تسنتنفد أغراضها، ومنها الاحزاب السياسية، هناك نجد أنفسنا في ورطة كبيرة. لكن المخزن يخرج لنا وسيطا من جرابه السحري: كسعد الدين الثعماني أولا، وأخنوش ثانيا، هكذا. صف الوسائط طويل، كل وسيط ينتظر دوره، أخطر بكثير من الصفوف التي تنتظر داخل الأحزاب. أو حسب خالد الجامعي رحمه الله: "كلينيكس، تم استعماله ورمي في القمامة".
وبهذا يصدق فينا قول القائل: "نحن ندبر الأزمة، ولا نحل الأزمة".
"عاش الملك ولكن" هي عبارة تجسد روح الأمةالمغربية، معناها: نريد أن يحكمنا ملك واحد، دون أن يشاركه في الحكم ملوك صغار، يمارسون التحكم والاستبداد. وهذا واضح في قولهم: "ملكنا واحد". ما سبب نكبة مغرب السبعينات؟، الجواب: أن أوفقير تحول إلى ملك مصغر، جاء به الحسن الثاني، ككلب حراسة ليواجه المعارضة التي تريد إسقاطه، ويا لها من مفارقة، بعد أن ادى دوره، تآمر على ملك في انقلاب الصخيرات 16 غشت 1972!.
ولذلك الوطنيون الحقيقيون، كرسوا حياتهم لتأكيد التشبث بالملك حاكما واحدا، وفق دستور ينظم خريطة الحكم. ويواجهون من يريد التسلل إلى هذه الخريطة. وهنا يندلع صراع من نوع خاص: مع من سيحكم الملك؟. وهذا الصراع مستمر، يدبره المخزن وفق توازنات دقيقة.
وهناك سنجد أنفسنا في روايات فرانز كافكا: "السلطة غامضة، ولا نعرف من يصدر القرار، ولا كيف نحاسبه". وما المهداوي إلا شخصية من شخصياته، يتساءل إلى الآن: ما هو ذنبي؟ وكأنه الشخصية: k.
إرسال تعليق