1- الآخر هو سبب مأساتنا.
لو سألتك: ما تعريف السياسي؟ ها أنت أجبت في نفسك. جيد. هاك الجواب الآتي: السياسي هو الذي يقنعك، أن الآخرين هم سبب مأساتك، ولا يحملك مسؤولية التغيير الذاتي، لأنه يريد استقطابك إلى حزبه أو حركته أو مذهبه.
بتفصيل دقيق، السياسي في المغرب، هو الذي يدغد عواطفك بهؤلاء الأعداء، الذين هم سبب مأساتك: المخزن، من أصحاب النفوذ المالي والاقتصادي والتجاري.. القصر، المخابرات، مستشارو الملك، الأحزاب الإدارية، البام، إلياس العماري، شباط، التجمع الوطني للأحرار، أخنوش، العلمي، لشكر...عصيد، الحركة الأمازيغية. السيسي، العسكر المصري، الإمارات، عبد الله بن زيد، محمد بن سلمان، السعودية، أمريكا، إسرائيل، الماسونية، اليهود، العوامل المناخية..هذا الذي يحدد هؤلاء الخصوم، سبب المأساة، يكون معارضا، إما مقيما في الداخل، أو في الخارج. ويختلف تصنيف العدو، بحسب الموقع السياسي للمعارض.
هؤلاء الذين يهاجمهم المعارض، أيضا، يمارسون نفس اللعبة، ويقنعونك، بأن سبب المأساة: إيران، تركيا، قطر، داعش، القاعدة، التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الخوانجية، حركة النهضة، العدالة والتنمية، اليسار الراديكالي، الزفزافي، المهداوي، بوعشرين، هاجر الريسوني، اليسار الحقوقي...قناة الجزيرة، رواد اليوتيوب السياسي...
هذان المتصارعان يمارسان اللعبة نفسها، يخاطبون الجمهور، ولا يقولون له: إن سبب مأساتك، موجودة في داخل نفسك، بل يعلقونها على الآخرين، لأنهم معا في حاجة إلى الجمهور، والأتباع، أي، إلى المناضل من درجة حمار.
هذا الأسلوب يتقنه كثيرا، مؤثرو اليوتيوب السياسي، ليجذب عطف المتابعين، تجده، ينتقد ما يكرهه غالبية المواطنين، فيكثر من الحديث عن الفساد والمفسدين...
يعني، التطرف في تعليق المأساة على الآخرين، هو بداية اصطياد المناضل من درجة حمار.
لن ينجح هؤلاء في التأثير على المناضل من درجة حمار، إلا "بقابلية التأثير". المناضل من درجة حمار، هو في الأصل، شخص متذمر، ومحبط، ويعلق فشله، على الشيطان، وأمريكا، وإسرائيل، والأنظمة العربية، والخواجية، والماسونية، وثقب الأوزون، لأنه بفعله هذا، يشعر بالراحة النفسية، بسبب عدم تحميل نفسه مسؤولية الفشل. لأن هذا يقتضي، أن يقوم ليواجه مشكلته بالعمل اليومي الجاد والمستمر، ولكنه لا يستطيع، أن يبذل مجهود.
المناضل من درجة حمار، هو في الأصل، شخص متذمر، ومحبط
إن التقيت المواطن الذي سيتحول إلى المناضل من درجة حمار، في القطار، وناقشت معه الفساد في المغرب، ستحملون مسؤولية الأزمة إلى "العوامل الخارجية"، وسينتهي النقاش، بمصافحة وابتسامة جميلة، ويستمر الواقع كما هو، لكن لو وجهتم أصبح الاتهام إلى ذواتكم، ستنطفئ حماسة النقاش. ولذلك، نقد الآخرين، يولد حماسة رهيبة.
إذن، الفاعلون السياسيون، يستثمرون هذه الحماسة، المولدة عن طريق نقد "العوامل الخارجية"، فتصبح الاحزاب أيضا، تنتقد الآخرين، لتشفي غليل المواطن، الذي ينتظر بحرقة، من يقول كلمة حق ضد المفسدين، وهذا أتقنه بذكاء بنكيران، حيث أقنع الناس، أن مصائب المغرب السياسية، متعلقة بحزب البام، وإلياس العماري، وكل من له نفس الانتقاد والحماسة، اقتنع بحزبه. لكن البام، ها هو يتفكك، وإلياس تلاشى، والأزمة لازالت قائمة. وأيضا، يعلب البام نفس اللعبة، يريد تخويف المواطنين من الإسلام السياسي، ويعتبرهم المأساة الجاثمة على قلوبنا.
ولذلك، الذين يعتقدون أن الفشل والنجاح، سببهما "العامل الذاتي"، تجد لهم وعيا خاصا بذواتهم، ويعملون على تطويرها، بغض النظر عن العوامل الخارجية، فلا ينتظرون الانخراط في حزب، ولا انهيار نظام فاسد.
إن المواطن الذي يُستقطب إلى حزب ما، ساسة هذا الحزب، رموا له صنارة بطعم "الآخر هو الجحيم"، وإن كان هذا المواطن، مؤمن بهذا إيمانا جازما، يصبح صيدا رائعا، فيؤتى به إلى الحزب، ويظل يربى على "عقيدة الآخر" هو سبب التخلف والمأساة والفساد والانهيار، وحتى لو انهار هذا الآخر، ينبغي أن يخلق من جديد، ويصور بطريقة مرعبة، لخلق الحماس في المناضل من درجة حمار.
لا بد من التنبيه، إلى أن المشكلة، هي في التطرف في تعليق المشاكل على الآخر، ولكن لا يمكن إلغاء الآخرين في التأثير على الأوضاع. فهل هذا يعني أن تحميل الذات مسؤولية الفشل هو الحل؟ إن التطرف في تحميل الذات المسؤولية كما ينهج ذلك بعض من الخطاب الديني، هو أيضا مصيبة كبيرة، لها مقاصد سياسية، وبهذا ظهرت "الطرق الصوفية" لخدمة أهداف سياسية، في بعض الأحيان.
فهل هذا هذا يكفي لضمان استمرار المناضل من درجة حمار في حزب أو حركة أو تيار؟
بعد خلق الحماسة بانتقاد المتطرف للآخرين، لا بد من إقناعه، بأهمية "القوة التي لا تقهر" التي ستهزم الآخرين.
2- تغييب عقبات الطريق.
معلوم، في الحركات الاجتماعية أو التغييرية أو حتى الأحزاب السياسية، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ففي حراك الريف لو ناقشت الزفزافي، فرج الله كربه، حول العقبات والتحديات التي تعترض سبيل الحراك، ربما قد يتهمك، بتحبيط وتيئيس المناضلين. ولو جئت إلى بنكيران حين كان يجمع الألوف من الناس في الميادين، وتحدثت معه بلغة العقل، وذكرته بالعقبات، التي تواجه مقولته الشهيرة: "عطيوني أصواتكم وخليوني مني ليهم" ربما قد يتهمك بالتحالف مع إلياس العماري. ولو نزلت إلى شوارع لبنان الآن، وطلبت من المحتجين، التفكير بمنطق العقل، والنظر في العقبات الكبرى التي تواجه حراكهم، ربما قد يرجمونك بالحجارة...
إذا أردت أن تطلق حراكا، فابحث عن المتذمرين والساخطين، وعزز اقتناعهم، بأن الأخرين هم المصيبة الكبرى، التي لو انتصروا عليها، سيعيشون السعادة. لكن، هذا لا يكفي، بل لا بد من أمر بالغ الأهمية: المصدر الذي يولد القوة. ها أنت حشدت المواطنين لتحولهم إلى مناضلين من درجة حمير، لا بد من البحث عن شيء يلهمهم القوة.
مثلا: حزب العدالة والتنمية، يستعمل عبارته السحرية: "المرجعية الإسلامية" هذه العبارة، تولد في المناضلين القوة، ويعتقدون أن هذه القوة لا تقهر. أما بالنسبة للعدل والإحسان، فالعبارة السحرية: "الخلافة على منهاج النبوة" تولد فيهم قوة، تلامس العقل والوجدان. وهناك أحزاب سياسية، جاءت بكلمات تلهم جموعها، من مثل: العدالة الاجتماعية، ومحاربة الظلاميين. وأيضا، الحراك العربي في 2011، كانت هذه العبارة: "الشعب يريد إسقاط النظام" تفجر في المتذمرين القوة اللاهبة.
أظنك قارئي العزيز قد شاهدت سلسلة: "casa de papel"، إن شاهدتها فسأسألك عن الكلمة السحرية، التي بها جعلت البروفيسور يحشد فريقه، وأن يقنع بعض الرهائن للمكوث معهم. هل عرفتها؟ إنها "المال".
لا يكفي، لتحشد الناس أن يكونوا متذمرين فقط من الآخرين، بل لابد من شيء يمنحهم القوة. لكن هل هذا يكفي؟
لاستقطاب المواطن، وتحويله إلى مناضل من درجة حمار، لا بد من أمر آخر: "الأمل في المستقبل". كل المتذمرين، يرفضون الواقع ويتمسكون بالمستقبل.
العدل والإحسان جماعة ترفض الواقع، وتتمسك بالمستقبل الزاهر الذي سيعم فيه الخلافة. الحركات الاجتماعية التغييرية ترفض الواقع، وتتمسك بشمس الديمقراطية التي ستشرق من المستقبل. الثورات العربية أيضا، روادها، يرفضون الواقع، من اجل المستقبل الزاهر، الذي يقبع فيه الأمل.
الحركات الاجتماعية التغييرية ترفض الواقع، وتتمسك بشمس الديمقراطية التي ستشرق من المستقبل.
لكن هناك، من يتمسك بالواقع، ويخاف من المستقبل. المتمسكون بالواقع، هم الذين يرفضون التغيير، ويريدون الاستقرار فقط، لمصلحة ما، ولو كانت نفسية. فالأنظمة تخاف من المستقبل، لأنها تريد تأبيد الواقع. ولذلك، كلما خرجت حركة احتجاجية، تصاب الأنظمة بالرعب. وأيضا، الأحزاب التي تقود الحكومات، فهي تتمسك بالواقع، لأنها تستفيد من الكثير من المصالح، ولا تراها، تناصر أي حراك، لأنها تخاف من المستقبل.
المستقبل هنا، قد يكون دنيويا، وقد يكون دينيا، وأخطر الإيديولوجيات، هي التي تزواج بين الأمل في العالمين. داعش، تشحن المجاهد من درجة حمار، بأمل الخلافة في المستقبل، وبالحور العين في الجنة.
هل هذا يكفي، لغسل عقل المواطن، ليتحول إلى حمار في حركة ما. إذا حشدت الناس، وألهمتهم بقوة لا تقهر، وفتحت لهم الأمل، فتجاهل العقبات والتحديات، وأبعد كل فكر نقدي. لا بد من خطاب التحميس والتفاؤل. والارتباط بالأمل فقط، دون الالتفات إلى العراقيل.
ولذلك، الذين ينتقدون خطاب التفاؤل في الحركات عند انطلاقها، يجدون أنفسهم خارجها، ولا يصلحون أن يتحولوا إلى مناضلين من درجة حمار، لأنهم يهدمون المسار كله. في casa de papel، كانت طوكيو وريو، في كل مرة، يفكرون تفكيرا سلبيا، يستيقظ عقلهما الذي مات في المجموعة، فما كان من برلين إلا أن يرمي بطوكيو خارج المجموعة، وكاد ريو أن يلقي حتفه.
إذن، من يقود الجماعة، التي تضم مجموعة من المناضلين من درجة حمار، عليه، أن يكثر من التفاؤل، وأن يبعد التيئيس: "انتباه: حملة البيجدي في السياسية، لا للتيئيس.. حملة أخنوش: الثقة". وأن لا يتحدث عن العقبات، وأن يذكر دائما، بمصدر القوة.
ويبقى السؤال قائما: ما هي المصالح التي يتستفيدها المناضل الذي ينتمي إلى حراك اجتماعي أو حزب سياسي، ليضمن له الاستمرار؟
3- البحث عن قضية مقدسة لتعويض الفشل الذاتي.
لو سألتكم هذا السؤال: هل بنكيران مناضل من درجة حمار؟ طبعا، ستجيبون بسرعة البرق: لا. لكن لو سألتكم مرة أخرى: هل بنكيران لم يكن مطلقا مناضلا من درجة حمار؟ طبعا، ستتوقفون عن الإجابة، وتفكرون طويلا. ولذلك، يمكن القول، جميع المناضلين يمرون من "درجة حمار". وهنا، لا بد من التأكيد، أن هذه الدرجة ليست قدحية، بل تعني، المناضل الذي سحق ذاته وانتصر لقيم الجماعة. أي، أنه عامل ميداني، أو ما يصطلح عليه نضاليا "بتقطيع الصباط". وعلى هذا أقول، كلما حضرت ذات المناضل بمشاعره وانفعالاته وأفكاره وشخصيته، وأصبح يتجاوز قيم وقوانين الجماعة الظاهرة والباطنة، فهو بدأ يودع "درجة حمار".
يمكن القول، حسب الوضع الذي يعيشه بنكيران، فهو مناضل يتجاوز الجميع، وتظهر ذاته بشكل أقرب إلى الغرور والأنانية. وإن عاش "درجة حمار"، لم يعشها إلا لشهور قليلة، في بداية التحاقه بالجركة الإسلامية، زمن السبعينات.
إذن، ذات بنكيران المناضل متضخمة جدا، بل يصنع جماعة ذاتية موازية للجماعة الأم. وسبب ذلك، هو "الشعور بالتفوق". لو درسنا الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذا المناضل، سنجده انه ينتمي إلى " طبقة متوسطة" قريبة من "الطبقة البورجوازية". ولذلك، بنكيران كان يردد باستمرار، لو أردت المال، لذهبت لممارسة التجارة.
يقال: "لا يمكن للإنسان أن ينجح في كل شيء، فهو ناجح في شي، فاشل في شيء". بمعنى آخر، أن بنكيران هو فاشل في التجارة، ويريد تعويض هذا الفشل في مجال آخر، ليحقق نجاحا متميزا لا تعرفه عائلة بنكيران.
فلو نجح بنكيران في التجارة، وكان شغوفا بها، لما وجدناه شابا في الحركة الإسلامية، يحلم بالزعامة. قد يكون هذا التحليل خاطئا. كأن يقول القائل: إن ما تقوله مجرد أوهام، لا علاقة له بالواقع، إن بنكيران اختار العمل في الحركة الإسلامية من أجل الدعوة إلى الله ونصرة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ويضيف قائلا: "إنك تتسلل إلى نوايا الناس وتفسرها تفسيرا ماديا، وهذا باطل". إن الترجيح بين الرأيين، يمكن أن يكون بالنظر إلى الواقع. هل فعلا بنكيران رجل دعوة، ونصر الإسلام والمسلمين أم أنه أصبح زعيما سياسيا، استجابة لتعويض نفسي، لسان حاله: إن لم انجح في التجارة، فأنا ناجح في السياسة؟
سأفترض، أن هذا المثال، الذي سقته هو مثال لا يفسر مقولة: "البحث عن قضية مقدسة لتعويض الفشل الذاتي". وسانتقل لطرح هذا السؤال: لماذا الناجحون في مساراتهم الذاتية المهنية أو العلمية او الاقتصادية قلة نادرة في الأحزاب السياسية؟ الإجابة ببساطة: الناجح، تملأ انشغالاته الذاتية حياته، ولا يمكن أن يجلس أمام زعيم سياسي فاشل علميا ومهنيا يتحدث له عن النجاح.
لو تأملنا، مثلا: في المسارات الذاتية لمناضلي حزب العدالة والتنمية، أو مناضلي اليسار الاشتراكي الموحد، أو مناضلي الاتحاد الاشتراكي في مرحلة ما. هل ستجد أن غالبية المناضلين هم من النبغاء وصفوة الناجحين في المجتمع؟ مستحيل، أن يكون الأمر كذلك. الذي تجده ثلاثة مكونات أساسية: الصفوة لها كفاءة أو نفوذ، طبقة وسطى تابعة، والمناضلون من درجة حمار، يركضون في الميدان. من المستحيل، اجتماع الناجحين في حزب ما، فلا بد من وجود الفشلة، فهم ضرورة تنظيمية، والناجحون، يغرون الفشلة، بتحقيق مصالحهم الذاتية.
لو مثلا، تأملنا في بروفايلات العاملين في قطاع الإعلام الحزبي. هل ستجد هؤلاء كفاءات متميزة في الإعلام؟ قد نجدهم، ولكنهم كالكبريت الأحمر. لكن الغالبية، هم فشلة في مجالات معينة، أرادوا استقلالا ماديا من بوابة الإعلام.
حين يستطيع المناضل من درجة حمار، أن يحقق نجاحه الذاتي من داخل الحزب. سيصبح مهتما بمشاعره الذاتية، ويضع رجله على فرامل سحق ذاته داخل الجماعة. وستكتشف هذا المناضل، يملأ حسابه الفيسبوكية، بكل المتعة الذاتية، ولا يشير إلى أنشطة الحزب إلا تلميحا. ستجده، ينتقد القيم الجماعية، ويصفها بالتخلف. لأن ذاته المنسحقة في السابق، بدأت تبرز وتتنسم الحرية. وسيصبح هذا القيادي الذي كان مناضلا من درجة حمار في السابق قياديا مرحبا به في الإعلام، يمثل وجهة نظر مخالفة لجماعته الحزبية.
بمعنى آخر، الناجحون ذاتيا، يعشقون حريتهم الفردية، ويرفضون الانصهار في جماعة حزبية، لأن ما يريدون تحقيقه حققوه لوحدهم. ويصبح همهم البحث عن "حسنة نظيفة"، أن يستوزروا، أو يعينوا في مؤسسات الدولة، وكأنهم تكنوقراط. بعد أن تنتهي مهمتهم يعودون إلى عملهم السابق.
الناجحون ذاتيا، يعشقون حريتهم الفردية، ويرفضون الانصهار في جماعة حزبية، لأن ما يريدون تحقيقه حققوه لوحدهم
وأتسع مناضل، الذي لم يترق من درجة حمار، طيلة حياته، لأنه يوهمونه، بتحقيق نقصه الذاتي، فيلهث وراء السراب، ويضمد جراحه، بشعارات كبيرة: "العدالة الاجتماعية، أو العمل في سبيل الله".
إرسال تعليق