بقلم: مصطفى بوكرن
بكاء رجل السياسة ليس دائما هو في خانة
"الأداء والتمثيل" أمام الجمهور، بل يكون البكاء حقيقيا في لحظات معينة،
إما في لحظة العجز عن مواجهة التحدي او النجاح في مواجهة التحدي.
نبيل بنعبد الله بكى يوم تقديم وزراء حزبه
لحصيلتهم، أمام أعضاء الحزب، وبحضور رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.
فسياق البكاء هو سياق يرتبط بنجاح أداء
وزراء حزب التقدم و الاشتراكية، هكذا نفهم إذن، ولكن الحقيقة، أن بكاء نبيل بنعبد الله ليس هذا هو سببه الحقيقي، السبب هو انه
اختار اختيارا صعبا، هو الاصطفاف لمواجهة حزب ناشئ تفرش له الورود ويبتلع الانتخابات
كالديناصور، وفكك حزب الاتحاد الشتراكي وجعله ملحقة له، وأصاب الاستقلال بمس شيطاني كاد أن يفقده صوابه، بل قبل أن يتأسس أكل أحزاب وهدد
أحزاب، بعثر الخريطة الحزبية في المغرب.
حزب التقدم الاشراكية، لم يكن يواجه بتلك
الشراسة التي يواجه بها البيجدي البام، بل كان صامتا لكنه عمليا ضد القضاء على الأحزاب، من اجل سواد عيون البام.
لكن مع حكومة العدالة والتنمية حدث للتقدم
الاشتراكية طفرة غير متوقعة في موقفه من البام، وكان لابن كيران دورا اساسيا في هذا، حيث لعب في إطار صداقته مع نبيل
بنعد الله، دورا محوريا في تشكيل رؤية موحدة بينهما لمواجهة ما يسمى
"التحكم" فكرة "والبام" حزبا.
طبعا نبيل بنعبد الله لم يكن يجاري بنكيران
في إيقاع خطابه، فبنكيران رفع السقف عاليا، لكنه يتفق معه في الرؤية.
إذن؛ نبيل بنعبد الله بكى لأنه نجح مع
بنكيران في حماية حزبه من "ارتباك الاستقلال" ومن "تشتت الاتحاد" فهو يبكي لأنه نجح، لأن
الإعصار كان قويا.
مرة قال إلياس العماري عن نبيل بنعبد
الله:"منذ أن ذهب إلى الحج تغير نبيل" وفي هذا إشارة إلى تحوله الإيدلوجي من الشيوعي اليساري الذي
لربما لا علاقة له بالممارسة التدينية إلى الإخواني في عهد بنكيران الذي أصبح حاجا.
لكن حقيقة الأمر، أن التحول الذي يظهر
للعيان والذي يهم المتابعين هو تشبثه الراسخ بالاصطفاف مع حزب العدالة والتنمية، وهذا مكلف جدا.
قد يقول قائل هذا الاصطفاف هو من أجل
المناصب، وهل المناصب لم يذق طعمها التقدم والاشتراكية إلا مع البيجدي، ويمكن للتقدم والاشتراكية، ان يستفيد من المناصب كما يستفيد حزب
التجمع الوطني للاحرار والحركة الشعبية، دون أن يكلف نفسه عناء المواجهة، وهو الحزب
الصغير، فيصمت.
يبدو أن نبيل بنعبد الله، يعرف قدرات التقدم
والاشتراكية، فوجد في حزب العدالة والتنمية، حزبا قويا يتقدم السابق وهو وراءه،
ليكمل السابق وهو مرفوع الرأس، أي التقدم و الاشتراكية، يريد أن يولد ولادة اخرى سياسية، من خلال موقفه هذا، الذي يدفع إلى تشكيل جبهة
ليس ضد التحكم، بل لمواجهة "الخوف".
أعتقد أن نبيل بنعبد الله أثر في بنكيران
تأثيرا بالغا، وهذا الأمر أقر به بنكيران في حصيلة وزراء التقدم و الاشتراكية، حيث قال:" كون كنت كنسمعك ديما كون وليت شيوعي"،
وأعتقد أيضا أن بنكيران أثر في نبيل بنعبد الله على مستوى نضج فكرة المواجهة والتصعيد ضد
الوسطاء بين الملك والشعب وهذا يظهر جليا في محاضرته أمام خريجي طلبة باريس في العلوم السياسية، ويظهر بشكل كبير
في قنبلة حوراه مع جريدة الأيام، فلن يستطيع التقدم والاشتراكية ان يقدم على مثل هذا التصريح دون أن يكون بجاوره حزبا قويا مثل
العدالة والتنمية.
نبيل بنعبد الله وبنكيران قصة "صداقة
سياسية" تواجه نزوعا نحو السلطوية باضعف الإيمان، ولو باللسان، في أفق المواجهة الحقيقية،
وهذه القصة يكررها دائما بنكيران، سيأتي اليوم الذي سنكتب فيه مذكراتنا، نحكي فيها كل
ما عشناه خلال هذه الولاية الحكومية.
هذه القصة يكررها دائما بنكيران، سيأتي اليوم الذي سنكتب فيه مذكراتنا، نحكي فيها كل ما عشناه خلال هذه الولاية الحكومية.
الآن، الديوان
الملكي يصدر بلاغا ضد تصريحات نبيل بنعبد الله، وهذا البلاغ غير موجه لنبيل
بنعبد الله ولا إلى التقدم و الاشتراكية، بل موجه إلى بنكيران وحزبه بالدرجة
الأولى من الناحية السياسية، كيف ذلك؟
نفس الفقرة
التي جاءت في خطاب العرش والتي تنتقد بنكيران تعاد اليوم مرة أخرى في بلاغ الديوان
الملكي.
فقرة خطاب العرش:" أن البعض يقوم
بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في
محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين"
فقرة بيان الديوان الملكي:"هذه الفترة
الانتخابية تقتضي الإحجام، عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة، واستعمال مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات،
في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين".
يعني هذا ان الذي كتب خطاب العرش هو الذي
كتب بلاغ الديوان الملكي، أو بصيغة أخرى أن العقل الذي يكتب منتقدا "الوزراء الذي يتحدثون عن
التحكم" هو عقل واحد، ويصنف بدقة أن كل من يتحدث عن التحكم ينتمي بالضرورة إلى خطاب بنكيران وحزب العدالة
والتنمية.

إرسال تعليق