U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

على كل حال يا صاحب الجلالة لم تقم القيامة بعد

 



بقلم: مصطفى بوكرن 

في خطاب العرش لهذه السنة، وصف الملك الاستعدادات لانتخابات 7 أكتوبر بالقيامة، حيث لا يستدعي هذا الحدث كل هذا التهويل.


يوم الخميس الماضي في المجلس الحكومي، بنكيران، علق على القيامة ، من خلال بيانه أن الحكومة ليست حكومة تصريف أعمال، بل الحكومة تنتهي ولايتها، بنتائج الانتخابات، واستدعي في هذا السياق حديث الفسيلة، إن كان في يد أحدكم فسيلة وقامت القيامة، فليغرسها، وعلق قائلا:"على كل حال يا صاحب الجلالة لم تقم القيامة بعد".


هذا المشهد، يجعلنا ننفتح على صورة كلية، كيف يخاطب بنكيران الملك؟ ولماذا يفعل ذلك؟


قبل 20 فبراير 2011، في عنوان عريض لجريدة المساء، بنكيران يقول:" إن كان الملك لا يحبنا اليوم فسيحبنا غدا" وهذا التصريح لابنكيران جاء تعليقا على تسريبات وكيليكس التي تقول أن الملك لا يميل إلى الإسلاميين.


وقبل 20 فبراير 2011، في خطاب شهير لابنكيران يخاطب الملك، يا مولاي، يا مولاي، أبعد عنك الهمة والماجيدي.


وحينما أصبح بنكيران رئيس حكومة، وجد نفسه في أيامه الأولى، أمام قنبلة رمت بها جريدة الصباح أمام قدميه، بعنوان عريض:"بنكيران: لا تواصل بيني وبين محيط الملك"، الشيء الذي اضطر بنكيران ان يكتب رسالة اعتذار إلى الملك ومحيطه قائلا:" إنني لا أملك إلا أن أعتذر لجلالة الملك عن أي إساءة غير مقصودة أكون قد تسببت فيها ومن خلاله لمستشاريه المحترمين".


وبعد ذلك، قام بنكيران - خلال سنواته الأولى من الولاية الحكومية- بتقديم تعريف لموقعه أمام المغاربة المغاربة، حتى اشتهر عنه قوله:" أنا مجرد رئيس حكومة".


ثم بعد ذلك، تحدث طويلا على أن الملك رئيس الدولة الأول، وهو المكلف الأول بتنزيل الدستور، واعتبر بنكيران نفسه مجرد عضو في المجلس الوزاري.


كانت هذه التصريحات تفاجئ الرأي العام، ويعلق عليها بنكيران بالدارجة المغربية:"إلى كنت باغين رئيس الحكومة ديالكم يصطادم مع الملك، فأنا منصلحش ليكم".


ثم في كل مرة، يحكي لنا حكاية هاتفية عن علاقته بالملك، حيث قال مرة:"تلقيت اتصالاً هاتفياً من الملك، وقدّم إليّ توجيهات مفادها الالتزام بالدستور نصاً وروحاً، وعدم أخذ مراسلات الديوان الملكي في الاعتبار إذا كانت لا تسير في هذا الاتجاه".

ثم في حادثة تيشكا، أن الملك اتصل به وقال له:"إن سبب الحادثة هو الروايض الملحوسين".
ثم في انتخابات 4 شتنبر قال لجمهور تطوان:"الملك محمد السادس بانا وحنا كاملين ولادو".


ويمكن اعتبار أن الفاعل السياسي الوحيد في المغرب، الذي يخاطب الملك محمد السادس بالسلطان هو بنكيران، حتى أنه قال أمام جمهور مدينة سلا :"وخا ديني الحبس يا جلالة الملك فأنا معك".
ثم في منصة امام القضاة قال:"حتى وإن لم نستمر في الحكومة، فأطلب من جلالة الملك أن يستمر الرميد في وزارة العدل".

هذه المرحلة الأولى لها لغتها الخاصة، لغتها توحي وكأن بنكيران أصبح مخزنيا.


ثم المرحلة الثانية في لغة بنكيران مع الملك، انطلقت بتصريحه القنبلة وهو رئيس حكومة، وليس معارضا سياسيا، أو غادر التدبير الحكومي:"هناك دولتان دولة محمد السادس ودولة اخرى".

لاول مرة؛ الملك يتفاعل من تصريحات بنكيران باندهاش واستغراب في خطاب العرش لهذه السنة حيث اعتبر، أن هذه التصريحات التي تسوق لمفاهيم معينة تسيء للوطن، ولها أهداف انتخابية .
ثم جاء أيضا في تصريح بنكيران مع موقع الأول حديثه عن رضى الملك، حيث اعتبر الرضى حكرا على والدته، أما الملك فله الوفاء و الاحترام.


وهذه لغة جديدة عن بنكيران، تتناقض مع لغة:" يا مولاي، حتى ولو أدخلتني إلى السجن فانا معك.."


ثم نصل إلى الحديث عن القيامة، الملك يعتبر أن ما يقع الآن هو قيامة، لكن بنكيران يقول لم تقم القيامة بعد.
لا بد من الاعتراف، أن أول رئيس حكومة في عهد الملك محمد السادس،يتكلم مع الملك بهذه اللغة، إن مدحا أو تعليقا.


بل لأول مرة في البرلمان اسمع خطابا مثل:"كل ما هو إيجابي تنسوبه للملك وكل ما هو سيلبي تنسبونه إلى الحكومة، وكان الموضوع هو ملف الصحة" حيث علق بنكيران أن الملك ليس طبيبا، نعم الملك له الإشراف، لكن هناك جهاز تنفيذي في الأرض ينجز.


قلت لأول مرة ربما في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، رئيس الحكومة يخاطب الملك بخطاب خاص، لكن له منطق سياسي ينظمه.


وهو أن علاقة الملك برئيس الحكومة، هي علاقة "عمودية" الملك أولا، ثم رئيس الحكومة ثانيا، وليس "علاقة أفقية" حيث رئيس الحكومة يزاحم الملك، وقد صرح بنكيران بهذا، حينما تقع بعض الكوارث، حيث قال:" أتريدونني أن ازاحم الملك، الملك ينوب عنا جميعا".


ثم إن كثرة حديث بنيكران عن الملك، هدفه أن يضع له موقعا في الدولة، وهو رئيس الدولة، وليس الملك فوق الدولة، أي أن رئيس الحكومة يقدم قراءة للدستور، والدستور يؤطر الملك.


ثم بالموازاة، يحدد موقع رئاسة الحكومة ووظيفتها من خلال الممارسة وفق قراءته الدستورية إضافة إلى الأعراف و التقاليد، وهو يقول دائما في المغرب يوجد"الدستور والمنطق والعرف".


أعتقد جازما أن أهم مشروع وأولوية كانت عند بنكيران خلال هذه الولاية، أن يقدم نموذجا متميزا لمؤسسة رئيس الحكومة، يعرف موقع وحجمه ووظيفته، لكن علاقته بالملك هي علاقة عادية يحكمه الدستور والمنطق والأعراف، وبإمكان رئيس الحكومة أن يعبر عن رأيه بدون حرج، دون خوف او خجل.


وأعتقد أن بنكيران نجح في هذه المهمة، بل رفع سقف لغة الخطاب الموجهة إلى الملك، ولا أحد من الوزراء او من الفاعلين السياسيين، او أمناء الاحزاب، له قدرة بنكيران في استهداف الملك بخطاب مدروس، طيلة الولاية الحكومية.


وأعتقد جازما، أن بنكيران لن يعود مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة، لأنه يعتبر نفسه أدى مهمته على أحسن وجه في هذا المستوى وقال ما عنده، واختار التوقيت المناسب، في سنة أولى حكومة كانت لغة معينة، لكن في السنة الأخيرة من الحكومة، كانت لغة من نوع آخر.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة