بقلم: مصطفى بوكرن
البارحة بعد
منتصف الليل، كتبت في صفحتي:" أريد مشاهدة فيلم
هذه مواصفاته: هادئ، عميق، معقد، فلسفي، له علاقة بكتاب، أو تجربة كاتب..هل من
اقتراح؟".
اقترح
أصدقائي وصديقاتي مجموعة من أسماء الأفلام، ومن حسن حظي أن صديقا اسمه عبد الرحمن
رحمون، اقترح فيلما يتطابق مع جل المواصفات التي طلبتها، وهو فيلم The Words.
سبب
اختياري لهذه المواصفات، أنني أريد اكتشاف طقوس كتاب الأدب، وخاصة الرواية، أردت
أن أكتشف نفسي في فيلم، لأقول باستمرار، حقا أنا تلك اللقطة في الفيلم، وأنا لست
تلك اللقطة في الفيلم.
كل
واحد منا يتأثر برسالة معينة، بحسب الظروف التي يمر بها على المستويات النفسية
والفكرية والعملية، ولذلك، يختلف التلقي من شخص إلى آخر.
شاهدت
في الفيلم في غرفة مطلقة حيث السكون التام، أتابع قصته بهدوء.
كل
الاعمال الفنية في الغالب، تحتاج إلى صبر لمعرفة فكرتها الرئيسية، الأعمال
الإبداعية، لا يمكنك أن تستمتع بها، وانت في لحظة توتر أو انك تريد الإسراع في
المشاهدة لتنهض للقيام بعمل ينتظرك.
الأعمال
الفنية، لن تعطيك ما في روحها إلا بعد أن تنهيها كاملة. ولذلك وأنا أشاهد الفيلم
المملوء بالقُبل من البداية إلى النهاية، بين عشيقين ثم زوجين، لكن المخرج ينقلنا
إلى عالم ما بعد القبل، وإلا سيدمر القصة كاملة، كنت أركز على تفاصيل القصة
المثيرة، التي سأعيد روايتها بطريقتي.
تخيلت
نفسي أنا مصطفى بوكرن كتبت روايتي الأولى طبعت ووزعت في المكتبات لكنها لم تنتشر، وكأنني لم أكتب رواية، وهي التي قطعة من
حياتي، لم أحبط، كتبت رواية ثانية، طبعت ووصلت إلى المكتبات لكن القراء لم
يتفاعلوا مع الرواية، أصبت بالإحباط، وبدأت أفكر في حل لشهرتي وانتشار رواياتي
السابقة ورواياتي اللاحقة.
طبعا
أنا مصطفى علاقاتي بزوجتي متوترة، هي نائمة على سريرها وأنا أقوم إلى حاسوبي،
لأكتب رواية، فتقوم زوجتي وتغريني بقبلاتها..، أستسلم لها تارة وأستسلم للكتابة
تارة أخرى.
انتبه:
أذكرك أني أحكي قصة رواية الفيلم The Words.
فقط
لأحكي لك القصة تخيلت نفسي انا بطل الفيلم..واش فهمتي ولا لا...
ذهبت أنا زوجتي من نيويورك إلى باريس لقضاء شهر العسل
هناك، وخرجنا للتجول في بارس، لكن العقل الباطن لا يفكر إلا في الروايات والكتاب
والكتابة، رأيت اسم إرنست هيمنغواي وضع على حائط زنقة، فابتسمت، دخلت زوجتي إلى
دكان لبيع تحف قديمة وجميلة، إلى أن وضعت يدها على محفظة قديمة، فاشترتها وأهدتها
لي، شكرتها وأشبعتها قبلا – ليس مصطفى بوكرن وزوجته- عند روجوعنا إلى نيويورك..
الزواج مسؤولية وتكاليف مادية، أريد المال أشتغلت في دار
نشر للكتب، لكن عقلي يفكر باستمرار، في قصة جديدة أكتبها لأكسب قلوب وعقول لقراء
وأنتشر، في أحد الليالي – كما العادة تركت زوجتي تعانق الوسادة- قمت إلى حاسوبي،
وبدأت أكتب، فجأت تذكرت الحقيبة التي اشترتها لي زوجتي، فتحت وبدأت أفتش فيها..
فكانت المفاجأة التي ستغير حياتي..وجدت مخطوط قديما يحكي
قصة قديمة لروائي مجهول..
يا الله ما هذا..غنها رواية مذهلة جدا..
تركت قصصي التي أبتكرها كل ليلة وزوجتي نائمة، وقمت
بكتابة القصة، في تلك الليلة كاملة ونسبتها لنفسي، وحينما استيقظت زوجتي، اطلعت
على ما كتبت ليلة البارحة، فأصيبت بالدهشة والذهول، رواية عظيمة، فعانقتني زوجتي
وأشبعتني قبلا – لست أنا مصطفى بوكرن- عنيفة..
أصبحت أفكر في نشر الراوية، فعلا وجدت الناشر، قرأ
الراوية فاندهش وأدرك أن الراوية ستنتشر..
وكانت المفاجاة العظيمة نشرت الرواية وفي غلفها صورتي
واسمي، وحطمت أرقاما قياسية في المبيعات، وفزت بجائزة العام في الأدب.
تمر الأيام، وتنقلب حياتي رأسا على عقب، انا الروائي
الشاب المبتدئ، الذي يريد الشهر والانتشار، والذي كان يسهر الليالي ، ويبدع القصص،
لم يصبر طويلا، لأنه أحب الشهرة والانتشار، اختار أسلوبا خاطئا في سرقة رواية لشخص
مجهول ونسبتها إلى نفسه..
لأنه أحب الشهرة والانتشار، اختار أسلوبا خاطئا في سرقة رواية لشخص مجهول ونسبتها إلى نفسه..
تصل روايتي لصاحبها الأصلي، مبدعها الأول التي هي قطعة
من حياته، هذا الشخص أصبح عجوزا، وقرأ الرواية فتذكر قصته الواقعية، أنه شارك في
الجيش، وطرد منه، عاش في فرنسا، أحب فتاة فرنسية جميلة، وأنجب معها طفلا، لكن
الطفل مات بعد شهور قليلة، فانقلبت حياته مع زوجته، فقام في أحد الليالي وكتب قصته
في كاملة بانسيابية كاملة دون توقف، لأنه يحكي عن حياته، أراد أن يهدي للقراء قطعة
من حياة ملؤها السعادة والألم.
بعد أن كتب هذا الشباب الذي اصبح عجوزا روايته، انتقل من
المنزل الذي كان يسكن فيه وهو زوجته إلى منزل آخر، وتكلفت زوجته، بحمل الحقائب
الثلاث، وركبت القطار، ولما نزلت نسيت الحقيبة الثالثة التي توجد فيها الرواية..
لما وصلت إلى المنزل الجديد، بدأ يبحث الزوج عن روايته
التي أبدعها، فلم يجدها، فخرج من البيت كالمجنون يبحث عن ماذا؟
يبحث عن رواية فقدها..
يبحث عن حياة فقدها بعد أن فقد طفله الصغير..
لم يجد الرواية، توترت علاقته بزوجتها، وافترقا..
ها هو المسكين فقد ثلاث حيوات، فقد طفله الصغير، وفقد
زوجته، وفقد روايته..
مع مرور الزمن رأى زوجته من القطار لكنه لم ير ابنه..
وهو يكبر ويشيخ، سيلتقي بحياته التي كتبها في رواية،
ويصدم صدمة كبيرة، فيلاحق مصطفى بوكرن الذي سرقها ونسبها إلى نفسه، إلى أن لقيه، وجلس معه..
كان الشيخ العجوز يحكي ومصطفى بوكرن أصبح صغيرا حيث
تواضع كبرياؤه إلى الأرض..ندم على فعلته، وذهب وشرب خمرة – ليس مصطفى بوكرن-
والتقى بزوجته ليعترف لها بالحقيقة..
الرواية ليست روايته..
وهكذا تحولت القبلات إلى بكاء وصراخ..
وذهب إلى الناشر واعترف له بالحقيقة، فصعق الناشر، ورفض
ما طلبه مصطفى بوكرن منه، أن يغير اسمه من الرواية..
وذهب إلى الشيخ العجوز، لعتذر له، وقدم له مالا، فصرخ
الشيخ العجوز وقال حكمته البالغة:"كل واحد منا يختار قرارا، وعليه ان يتقبل
نتائجه".
ذهب مصطفى بوكرن بعد موت الشيخ العجوز وأخذ المخطوط،
ورماه في قبره..
في الفيلم هناك عنصر خفي، أن راوي القصة الذي افتتح به
الفيلم، ويقف أمام جمهور من الناس، يروي قصة مصطفى بوكرن والعجوز، هذه القصة هي
رواية أصدرها، ويروج لها..
لكن شكوكا تحيط بالراوي الرئيس للقصة، من خلال امرأة
تعرفه جيدا، أنه كان غشاشا في الثانوية..
فتنهي الفيلم وأنت تسأل: هل الراوي الرئيس للقصة الكبرى
هو سارق للقصة أيضا؟ !
شكرا لك يا عبد الرحمن رحمون..لأنك ابهجتني بهذا الفيلم الرائع...
إرسال تعليق