U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

ما المشكلة في هاشتاغ ارحل أخنوش؟

 




بقلم: مصطفى بوكرن


لافرق بين النضال الرقمي والنضال الميداني إلا من حيث الوسائل. وهما معا، يشتركان في اللغة التحريضية والتحفيزية والحشدية والانفعالية، لأن الجمهور لا يمكن لك حشده إلا بلغة بسيطة ومباشرة وتشخصية، تبتعد عن التعقيد والغموض والتجريد، وإلا فشل الفعل النضالي.


كما أن الذين تم حشدهم في معركة نضالية، لا يجوز لك أن تناقشهم بأسئلة نقدية، وإن كانت لها أهمية كبرى، وتمتلك قدرة كبيرة في تسديد الرؤية، لأنها تنسب الفعل النضالي، وتضعف الحماسة النضالية.


هذه الأفكار، في ذهن صناع الفعل الاحتجاجي، يعرفون متى يسوقون الخطاب المناسب لكل مرحلة، لإدارة جمهور المحتجين. لكن غالبية الغاضبين، يحبون أن يظلوا منفعلين، لأن هذا الشعور النفسي سهل، غير متعب، فيميلون إلى التعميم والبساطة والمباشرة، ولا يريدون الدخول في متاهات التعقيد المتعبة نفسيا وفكريا.


شخصيا، أومن بصوابية هذه المعركة ضد الشركات التي راكمت أرباحا ضخمة تقدر من 2016 إلى 2021، بما يقارب 48 مليار درهم. ولذلك، كما يقول الحسين اليماني أن الواجب هو فرض ضريبة استثنائية عليهم، شبيهة بصندوق كورونا، الذي ملأته الشركات لدعم الطبقات الفقيرة. هذه العملية ممكنة، تحتاج إلى ضغط شعبي فقط، في انتظار استجابة الدولة.


إلى هنا، قد نجد اتفاقا واسعا بين مختلف الأطياف حول هذا المطلب، لكن الاختلاف يقع في آلية المطالبة، التي ينبغي أن تنسجم مع الثقافة السياسية المغربية، وهنا كما يقول المعطي بوردي: "عواجت الفكوسة".


الثقافة السياسية المغربية، لها أعرافها وتقاليدها، ولا يمكن لك، أن تفعل شيئا، لو لم تحترمها. إن استطعت أن تقوم بحشد الشارع كاملا "التحت"، لكن "الفوق" غير راض على ما قمت به، لن تنجح. بمعنى آخر، إذا أردت أن تحقق شيئا، ولو كان بسيطا، عليك أن تأتي بضغط التحت، وتنادي على الفوق، ليتخذ القرار المناسب، لا تأمره، بل تتوسل إليه أن يتدخل لإنقاذ الشعب. وعليك، أن تلح، وتصبر. هذا هو الواقع.


في المغرب، الذي يزيح ويأتي بالقيادات السياسية هو: "المخزن"، الذي يتفاعل مع معطيات الشارع والسياقات الأخرى، ويصنع واقعا بأسلوبه، وفق الاستثناء المغربي.


انطلقت حركة 20 فبراير، وحتى رواد الحركة منهم، قام بمغربة شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى "الشعب يريد إصلاح النظام". تدخل الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس 2011، ثم احتضن "الفوق" الشارع، ثم أنتج ذلك دستورا وانتخابات، فيها مزج بين ما يريد "التحت" تحت رعاية كاملة "للفوق".


هناك قاعدة معروفة في الثقافة السياسية المغربية: "لا أحد يتنبأ بما سيقوم به المخزن، فيفاجئ الجميع". لأن التنبؤ يرتبط بمعطيات معروفة، تستثمرها في التنبؤ بالمستقبل. لكن هذه المعطيات غير متاحة وبالغة التعقيد. والمخزن المغربي، يكره أن تفرض عليه شيئا، وإذا فرضته عليك، أن تلزمه بتنفيذه في الوقت المناسب. كل ما عليك أن تفعله، ارفع مطالبك إليه، وانتظر إلى أن يختار هو الصيغة، والوقت المناسب. وحتما سيرحل أخنوش، لكن بأسلوب المخزن، لا بأسلوب الفيسبوك.


حتما سيرحل أخنوش، لكن بأسلوب المخزن، لا بأسلوب الفيسبوك



لذلك، شعار "ارحل أخنوش"، من منظور الثقافة المخزنية، شعار يوهم من يطلقه، أنه هو من جاء بأخنوش، وأنه هو من سيجبره على الرحيل، إلى أين؟ اللهم أعلم.


للإنصاف، من يرفعون هذا الشعار، ديكاج أخنوش، يعرفون أنهم لن يزيحونه، فهم ليسوا أغبياء، ولا يعرفون واقعنا السياسي، كلما في الأمر أن هذا الشعار، استعمل من أجل التعبئة والحشد، وتبسيط المعركة التي من مقتضيات النضال الاحتجاجي، كما رفع في الربيع العربي: "ارحل"، فاتضح أن الواقع معقد ومؤلم وملغز، بعد رحيل الشخص واستمرار النظام.


أخنوش جيء به في سياق معروف، بل أخنوش ابن دار المخزن، ربي فيها منذ زمان، لأداء أدوار معينة. في الصورة أمام الخارج، أخنوش جاءت به الانتخابات، لكن العارفين، يدركون أن الديمقراطية المغربية لها وسائلها، لخلق توازنات معينة. البجيدي عمر 10 سنوات، ولا بد من حل، لإعادة ترتيب الوضع، ليس لأن أخنوش سيأتي بعصا سحرية لحل المشاكل. أخنوش كان حلا لمشكل تغول البيجيدي، ولكنه ليس حلا لمشاكل المغاربة. جيء به لأدار دور، وسينتهى منه عما قريب. وهذه أعراف المخزن منذ زمان، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء، بيده القرار، وهو على كل شيء قدير، إلا إذا وقعت المستجدات.


أخنوش كان حلا لمشكل تغول البيجيدي، ولكنه ليس حلا لمشاكل المغاربة

 


فمن جاء بأخنوش، هو الذي سيقول له ارحل، طال الزمن أم قصر. وليس هشتاغ الفيسبوك، الذي ينتسب إلى ثقافة سياسية مغايرة للثقافة السياسية المغربية. وقد يقول قائل: إن الفيسبوك أسقط أنظمة وغير حكومات في 2011. هذا أكبر وهم يعشش في أذهان الكثيرين! كانت ترتيبات أخرى، لا يراها جمهور المحتجين.


الذين ينتقدون هذا الشعار، فهم يستحضرون هذه الثقافة السياسية المغربية، وهو أن الذي يعين ويعزل رؤساء الحكومات، ليس الفيسبوك، بل الملك محمد السادس، وإن اتخاذ أي قرار، له سياقاته، وتكلفته السياسية والمادية.. وهؤلاء، حين يستحضرون هذا المعطى، لا يستنجدون بالفيسبوك، لإنقاذهم من أخنوش بل يستنجدون بالملك محمد السادس كما تفعل مايسة على سبيل المثال.


أما الذين يتشبثون بهذا الشعار، ويفهمون مقاصده ويدركون أبعاده، ويستوعبون الثقافة السياسية المغربية، لا يستعملونه إلا من جهة الحشد والتعبئة، أما لو كانوا يعتقدون أن الفيسبوك سيسقط أخنوش، فهم يروجون للخرافات السياسية.


إذن، فليتوحد الجميع على مطلب خفض أسعار المحروقات، وليعذر كل طرف الطرف الآخر، في تقديراته السياسية، التي تظل نسبية.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة