U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

أعداء الملك الأغبياء




بقلم: مصطفى بوكرن

ما إن صدر بلاغ الديوان الملكي في 16 يونيو، يخبر الرأي العام بإصابة الملك محمد السادس بالكوفيد 19، حتى انطلق أعداء المغرب على وسائل التواصل الاجتماعي، في رسم سيناريوهات ما بعد المرض، وإبداع قصص غبية حول صراع أصحاب النفوذ داخل العائلة والبلاط الملكيين، والمقارنة بين من يميل إليه ميزان القوى، والحديث عن مواصفات الاخلاقية، ومن لا قوة له.


استطاع هؤلاء أن يخدعوا جمهورا واسعا من المغاربة، الذين صدقوا ذات يوم مول الكنز، وصدقوا المكي مول الماء.



أن تواجه عدوا ذكيا خير من تواجه عدوا غبيا، لأن العدو الذكي سيفهم طبيعة النظام الحاكم وسائل سلطته المادية والرمزية في حكم الشعب، ومن خلال هذا الفهم يمكن أن يستثمره لصناعة دعاية مؤثرة في الخصم. لكن يبدو، أن الأعداء الأغبياء يستثمرون في شعب جاهل، عاشق لقصص نزار وندى، وولد الشينيوية..، هذا الشعب، لو كان يفهم طبيعة نظامه الحاكم، ويدرك كيف يدير الملك ذاته حضورا وغيابا؟ لن يقع فريسة لدعاية مضللة تستثمر في الجهل.


هذا الشعب، لو كان يفهم طبيعة نظامه الحاكم، ويدرك كيف يدير الملك ذاته حضورا وغيابا؟ لن يقع فريسة لدعاية مضللة تستثمر في الجهل.


يعرف جميع المتابعين، أن الملك محمد السادس، كلما ألم به مرض، يصدر الديوان الملكي بلاغا، يخبر المواطنين، لإشراكهم في الدعاء لرئيس دولتهم، وهذا الذي كان حين أرسل الملك رسالة إلى الحجاج، والتي ذكرهم فيها بأهمية الشعائر المقدسة، وطلب منهم أن يستغلوا تلك البقاع الطاهرة للدعاء له بالصحة والعافية.



إخبار الديوان الملكي بمرض الملك، فيه إشارة بالغة الأهمية، أن هذا الإخبار لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على استمرار نظام الحكم، أكان ذلك من داخل البلاط أو في العلاقة مع الشعب. بمعنى آخر، لو كان المرض مؤثرا، لكان سرا من الأسرار، التي يجب كتمانها وعدم تسريبها، ومن سربها، قد ينال عقابا شديدا. بل في بعض الأحيان تكشف بلاغات الديوان الملكي بعض التفاصيل الجزئية، عن المرض!


لو كان المرض مؤثرا، لكان سرا من الأسرار



أعداء الملك استغلوا المرض، وراحوا يؤلفون القصص، ليرفعوا من عدد المشاهدات، وظلوا يتساءلون بغباء: أين اختفى الملك؟ وهناك من جزم بأنه انتقل إلى الدار الآخرة، وراح يكذب دون أن يرف له جفن، أن النظام يخفي ذلك، وينتظر الوقت المناسب.



هؤلاء يستغلون جهل المغاربة البسطاء، الذين تسلطت عليهم فتيحة، التي تحل رجليها أمام الكاميرا، لتحل مشكلتها اجتماعية، ولا يكلفون أنفسهم عناء القراءة، لطبيعة النظام السياسي الذي يحكمهم منذ قرون، وله تقاليد وأعراف ورموز...



إن الباحثين في علم السياسة درسوا الدلالات الرمزية للجسد الملكي، ضمن جدل الظهور والتخفي، وعلاقة ذلك بممارسة السلطة السياسة. ظهور الملك أو غيابه، ليست مسألة عادية، بل تندرج ضمن تقاليد سلطانية مرعية منذ قرون.


كثيرا ما نتحدث عن حجاب المرأة. أتذكر مقالا قرأته للمفكر المغربي مصطفى المرابط حول جدل التخفي والظهور لجسد المرأة من الناحية المعرفية، وراح يبين أماكن تخفي الجسد، وأماكن ظهور الجسد، بمعنى فقيم المكان هي المحدد. بل الباحث التونسي أحمد الأبيض حين كتب عن فلسفة الزي الإسلامي، قدم وصفا لمرأة يظهر ساقها ثم يختفي، يظهر ثم يختفي، وتأثير ذلك في النفس، وما يفرض من سلطة على المتلقي.



الظهور والتخفي هذا سلوك منتشر في الجماعة البشرية، بل حتى في الحيوانات، وكل وهدفه. لكن في السياسة، يتم استثماره بشكل لافت، وقد استثمره المخزن ببراعة.



نتحدث عن حجاب المرأة، وهناك أيضا حجاب السلطان. حتى أن السلطان المولى إسماعيل ألصقت به صفة السلطان "غير المرئي"، الذي يوجد في كل مكان، ويبث الرعب في نفوس خدامه. وهذه إحدى تيمات رواية أولاد حارتنا للعبقري نجيب محفوظ. ويروى أن أحمد المنصور كان يضع حجابا بينه وبين مخاطبيه، في إطار صبغ التفرد والهيبة والقداسة على الذات السلطانية. وقد اعتبرت المؤرخة جوسلين دخيليا في كتابها le Divan des rois ، أن دلالة استعمال الحجاب تحيل على فكرة الإله المتخفي، كما أوضح ذلك الباحث محمد جادور في أطروحته مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب.


حين يغيب الملك أو يظهر، فهذا التصرف محسوب ومدروس، بل حتى حين يختار وسيلة الظهور. فهذا موضوع ليس عفويا، لأن الملك ينتمي إلى بنية سياسية لها تقاليد عريقة في ممارسة السلطة، ولها دراية عميقة بنفسية المتلقي.



حين يغيب الملك عن الأنظار، ففي الثقافة المخزنية، فهو حاضر بقوة. وإذا حضر ورآها الناس، فحضوره فيه الكثير من الغرابة والإدهاش. ولا بد أن نشير إلى أن الملك محمد السادس، اجتهد كثيرا في أنسته لحضوره العام، يريده أن يكون أكثر عفوية، وخاصة حين يريد مخاطبة الشباب، وسكان التواصل الاجتماعي.


هؤلاء الأغبياء، غاب الملك لأيام قليلة، ورحوا يتحدثون عن ما بعد المرض، ويرسمون السيناريوهات. وقد غاب الملك عن الأنظار في مرات أخرى مدة طويلة، ولم يثر غيابه هذه الهستيرية عند معارضيه، ربما في هذه المرة، ظنوا أن الكوفيد 19، جنسيته جزائرية ويشتغل مع الجنرالات!


ربما في هذه المرة، ظنوا أن الكوفيد 19، جنسيته جزائرية ويشتغل مع الجنرالات!



هذا البلد، لا يعيش أزمة شرعية أو مشروعية، فنظام حكمه مستقر ومستمر، بل إنه يعيش أقوى فتراته التاريخية، وهذا أمر سيفهمه لمن درس تاريخ المخزن. لكن هذا لا يعني أنه لا توجد خلافات ويمكن القول صراعات، فهذا أمر عادي، لمن قرأ كتاب الأمير المنبوذ لمولاي هشام، بغض النظر عن حقيقة الحكايات التي يرويها، ولكن البلاط، يعرف صراعات عجيبة، لأن الكل يريد أن يتقرب من الملك مصدر كل شيء.


فغياب الملك عن الأنظار هو سلوك سياسي له دلالة رمزية في ممارسة السلطة، وكذلك الأمر بالنسبة للظهور.


لا أعرف الحالة النفسية لهؤلاء الأغبياء حين ظهر الملك محمد السادس في صحة وعافية، والذين أعلنوا أنه انتقل إلى الدار الآخرة إن كانوا يؤمنون بها حقا. ولا أعرف حالة هؤلاء البسطاء الذين تسمروا امام الشاشات، ليسمعوا خرافات سياسية بئيسة، سأحسن بهم الظن، وأقول: إنهم فرحوا بصحته الجيدة.


إن يتم إعلان المرض هذا دليل قوة. وأن يغيب الملك عن الأنظار ثم يظهر هذا سلوك سياسي له دلالة رمزية.


والمغاربة جميعا، يحكون قصة ظهور محمد الخامس في القمر. وما هي إلا قصة استعارية، تبين طبيعة الحكم في المغرب، ودلالته الرمزية.

فلا سلطة تحكم بدون رموز..

عاش الملك
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة