المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان
1- وفاة الخليفة الحكم المستنصر بالله: تاسع أمراء دولة بني أمية بالأندلس وثاني الخلفاء.
لما توفي الحكم المستنصر بالله، في اليوم الثاني من صفر سنة 366 هـ، حرص خادماه الخصيان، الفتيان فائق وجؤذر، على كتمان خبر موته، وقاما بضبط القصر، واتخاذ التدابير اللازمة، لتسيير الأمور وفق الخطة التي وضعاها.
2- خطة تنحية ولي العهد واختيار عمه المغيرة بن عبد الرحمن لولاية العرش
وكانت هذه الخطة، تنحصر في تنحية ولي العهد الصبي هشام عن العرش، واختيار عمه أخي المستنصر، المغيرة بن عبد الرحمن الناصر، لولاية العرش، وكان الفتيان الصقالبة داخل القصر، زهاء ألف، ولهم نفوذ عظيم، وفي يدهم الحرس الخليفي ومعظمه من الصقالبة والمرتزقة. فكانوا بذلك قوة يخشى بأسها.
استدعى فائق وجؤذر، الحاجب جعفر بن عثمان المُصْحفي، ونبآه بموت الخليفة وعرضا عليه مشروعهما، في تولية المغيرة، فتظاهر الحاجب بالاستحسان والموافقة، ووعدهما بالعمل وفق خطتهما، وتنفيذ ما يشيران به.
3- الصراع بين معسكر الدفاع عن ولي العهد وبين معسكر الدفاع عن عم ولي العهد
خرج جعفر المصحفي، فبادر إلى ضبط أبواب القصر، واستدعى أصحابه من خاصة الحَكم، مثل زياد بن أفلح مولى الحكم، وقاسم بن محمد، ومحمد بن أبي عامر، وهشام بن محمد بن عثمان وغيرهم. واستدعى في نفس الوقت عصبته وأشياعه من زعماء البربر، مثل بني برزال، كما استدعى سائر القادة الأحرار، فاجتمع له منهم ومن أجنادهم طوائف ضخمة. فنعى لهم الخليفة، وعرض عليهم مشروع الفتيان الصقالبة، في تنحية هشام وتولية المغيرة، وأوضح لهم أن هذا المشروع خطر داهم عليهم، وأنه إذا ولى المغيرة، واستبد الصقالبة بالأمر، قضى عليهم وعلى دولتهم ونفوذهم، ونكل بهم المغيرة والصقالبة. والأمر بالعكس إذا ولى هشام ولي العهد الشرعي، فإنهم يستبقون سلطانهم ونفوذهم، وتغدو الدولة دولتهم، ويأمنون على أنفسهم وأموالهم.
4- خطة معسكر الدفاع عن ولي العهد
اقترح بعض أصحابه أن يقتل المغيرة، فيؤمن بذلك شره في الحال والاستقبال، وتطوع محمد بن أبي عامر لتنفيذ هذه المهمة الدموية، حفظاً للوئام والوحدة، فبعث جعفر معه سرية من الجند الأحرار الموثوق فيهم، وسار معه بدر القائد مولى الحكم، في سرية من غلمان الخليفة. وأحاط الجند بدار المغيرة، ثم نفذ محمد بن أبي عامر في نفر من أصحابه، ونبأه بموت الخليفة وجلوس ابنه هشام، وأنه أتى ليتبين حقيقة موقفه، فذعر المغيرة وأكد لابن أبي عامر، أنه مطيع مخلص لكل ما تقرر، وتضرع إليه أن يحقن دمه، وأن يراجع القوم في أمره. ولكن الرد كان قاطعاً في وجوب التخلص من المغيرة، فدفع إليه ابن أبى عامر عدة من رجاله، فقتلوه خنقاً أمام زوجته، ثم أشاعوا أنه قتل نفسه، ودفن في نفس مجلسه، وكان سنه يوم قتل سبعاً وعشرين سنة. ووقع ذلك كله في يوم واحد فقط.
دفع إليه ابن أبى عامر عدة من رجاله، فقتلوه خنقاً أمام زوجته، ثم أشاعوا أنه قتل نفسه، ودفن في نفس مجلسه
5- معسكر الدفاع عن العم المخنوق والتظاهر بقبول الأمر الواقع
ولما وقف الفتيان فائق وجؤذر على ما وقع، تملكهما السخط والروع، وبادرا إلى الحاجب جعفر، وتظاهرا بالرضا والاستبشار بما وقع، واعتذرا له مما سبق أن اقترحا عليه، وأخذ الفريقان من ذلك الحين، يتوجس كل من صاحبه ويتربص به، وانقسم أهل القصر إلى معسكرين، معسكر الصقالبة يتزعمه فائق وجؤذر، ومعسكر الأحرار يتزعمه الحاجب جعفر ومحمد بن أبي عامر.
وسنرى فيما بعد، كيف تطورت هذه المعركة الخفية بين المعسكرين داخل مربع الحُكم.
إرسال تعليق