أعده للنشر: مصطفى بوكرن
شهدت الآونة الأخيرة، عودة قوية لموضوع اليهود المغاربة ودورهم في عملية التسوية و"السلام"، وهي عودة ساهمت فيها عدة عوامل، يقف على رأسها تأسيس الاتحاد العالمي لليهود المغاربة من جهة واشتداد حدة المنافسة الانتخابية داخل الكيان الصهيوني وبروز اهمية الصوت المغربي فيها من جهة أخرى.
للأسف، نجد أن النقاش الذي واكب هذه التطورات، بقي حبيس الفهم السطحي لها وعدم النفاذ إلى مناقشة الأهداف والدلالات العميقة لها، ليس على مستقبل العلاقات المغربية – الإسرائيلية فحسب، بل على الوضع السياسي والاقتصادي بالمغرب.
واعتبارا لذلك وجدنا أنه من الضروري المساهمة في النقاشات التي أثيرت. بغية معالجة القضايا الواردة آنفا، وبالتالي جعل كل طرف يتحمل مسؤوليته في مستقبل الأيام.
محاولة التمييز بين الدور الموهوم والدور الحقيقي، لا في العلاقات المغربية والإسرائيلية عموما، وفي الحياة السياسية والاجتماعية الصهيونية. لا تحركها خلفيات طائفية أو عرفية أو مذهبية أو دينية، كاليهودي المغربي الذي استمر مقيما في بلاده، مواجها أو الأقل رافضا للدعاية الصهيونية ومساهما في تنمية هذا الوطن. يبقى بالنسبة إلينا. خارج دائرة ذلك التمييز بين ما هو موهوم وبين ما هو حقيقي فله ما لنا وعليه ما علينا. إلا أن هذه النوعية تشكل في حقيقة الأمر، أقلية ضمن القطاع العريض من اليهود المغاربة خصوصا وأن ما يزيد عن 70 في المائة منهم يقطن داخل الكيان الصهيوني وتمثل إحدى الأعمدة للاحزاب الصهيونية المتطرفة كالليكود، وشاس.
نشير في ختام هذه المقدمة إلى أننا نرحب بكل نقد بناء للمقولة التي يطرحها المقال للنقاش على عموم المهتمين والقراء.
1- الاتحاد العالمي لليهود المغاربة:
3 ماي 1999، وعلى بعد ثلاثة عشر يوما من الانتخابات الصهيونية. أعلن عن تأسيس الاتحاد العالمي لليهود المغاربة وسط مهرجان احتفالي وصخب إعلامي، مسيج باحتياطات أمنية مشددة.
التأسيس الفعلي كان في فبراير 1999 بالكيان الصهيوني، وما حصل بمراكش هو إعلان عن التأسيس حققت من ورائه عدة أهداف سياسية وإعلامية وديبلوماسية، حضر يوم الإعلام ما يزيد عن 200 عضو، غالبيتهم من الكيان الصهيوني، واعتبروا بمثابة الأعضاء المؤسسين للاتحاد، وقد أسفر التأسيس عن انتخاب هيئة تنفيذية من الأسماء البارزة فيها: راقي درعي، رئيس الاتحاد، ورئيس الكنيست، روبير أسراف كرئيس دولي مكلف بالتنظيم وتفعيل التمثيليات الموجود خارج الكيان، ومئير شامريت كخازن عام، وهو في الوقت ذاته وزير المالية في حكومة الليكود الحالية، وسيرج بير ديغو، كمندوب عن المغرب، وهو رئيس اتحاد الطوائف اليهودية بالمغرب، ايضا أندريه أزلاي المستشار الاقتصادي للعامل المغربي الحسن الثاني، كرئيس للجنة المؤسسة.
حسب روبير أصراف، الرئيس الأولي للاتحاد، هناك هدفان أساسيان: الأول يهم تقوية وتمتين هوية اليهود ذوي الاصل المغربي وتنمية ثقافتهم والحفاظ على تقاليدهم. أما الثاني هو المساهمة في بناء "ٍلام" دائم بين الإسرائيليين والعرب في إطار احترام من كافة شعوب المنطقة. كما تم تأسيس 12 مندوبية في 12 بلدا منها: فرنسا، إسبانيا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، فنزويلا، الأرجنتين بالإضافة إلى كل من المغرب والكيان الصهيوني.
ودور هذا اللقاء كان وازنا من الناحية السياسية والديبلوماسية، من ضمنهم أربع وزراء في الحكومة الصهيونية الحالية، مئير سطريت وزير المالية، شاوول عمور، وابريلا وزارة. شلومو بنزري إضافة إلى ناتان شارتسكي، وزير التجارة والصناعة وزعيم حزب المهاجرين الروس الجدد "إسرائيل بعلياه". ورغم أن أزولاي اعتبر أن حضور هذا الأخير، لم يكن بصفته الوزارية ولكن بصفته رئيسا للجالية اليهودية الروسية في إسرائيل التي نظمت نفسها مثلما نظم اليهود المغاربة أنفسهم في إطار التجمع العالمي لليهود المغاربة، إلا أن ما طرحه روبير أصراف في مقالته الصادرة بأسبوعية لاكازيت دي ماروك 12 ماي 1999، أكد فيه الصفة السياسية لحضور شارتسكي، ليعتبر أن النتائج الأولى لاجتماع مراكش هو "فتح أبواب المغرب من جديد للمسؤولين الرسميين الإسرائيليين، أصدقاء المغرب والسلام، سواء كانوا من اصل مغربي أو غير مغربي. واعتبار هذا الأمر هو أولى النتائج يكشف عن طبيعة "الدور الحقيقي" لليهود المغاربة على لسانهم هم، وهو ما سنتناوله لا حقا..
لقد لوحظ على ما يشبه الإعلام الرسمي بالمغرب محاولة التغطية على الصفة السياسية للحضور، وأبرز نموذج هنا هو الحاحام يوسف عباديا رئيس مجلس الحكماء والأب الروحي لليهود الشرقيين، الذي حصد احتفاء غريبا برسالته للعاهل المغربي الحسن الثاني رغم أنه الزعيم الروحي لحزب الشاس المتطرف داخل الكيان الصهيوني.
لقد أشار ناحوم برنباع في مقالته بيومية يديعوت أحرنوت 7 ماي 1999، إلى أن السياسيين دعوا للمؤتمر في اللحظة الأخيرة، وأن الوزراء دعوا كممثلي أحزاب، وأن الاعتبار الكامن وراء دعوة شارتسكي هو كونه عنصرا معتدلا جدا في حكومة يمينية، وهي شاهدة تؤكد ما ذهب إليه روبير أصراف.
2 – مؤسسة تنضاف لمؤسسات:
بهذا التأسيس، يكون اليهود المغاربة قد شكلوا رابع مؤسسة تحتضن نشاطهم، الأولى كانت محتشمة، عندما حصل تأسيس جمعية "هوية وحوار" سنة 1974، والتي رأسها أندريه أوزلاي منذ ذلك التاريخ وإلى غاية 1991، ويرأسها حاليا ألبير ساسون المستشار الخاص للمدير العام لليونسكو، هذه الجمعية التي نظمت أول مؤتمر دولي حول اليهود المغاربة في سنة 1978، واحتضنت الاتصالات الأولى بين فلسطينيي منظمة التحرير والصهاينة في أوج الانتفاضة.
أما الثانية فهي التجمع العالمي لليهودية المغربية والتي أسست في دجنبر 1985 بمونريال بكندا وعقد مؤتمرا صاحبا في ماي 1985 حضر حوالي 300 شخصية من اليهود المغاربة. وكان بمثابة أول إعلان رسمي عن ربط العلاقات غير المباشرة، وهبر اليهود المغاربة، مع الكيان الصهيوني وقد جاء تأسيس هذا التجمع بمبادرة من مجلس الطوائف الإسرائيلية بالمغرب، ونشير هنا إلى أن سيرج بيرديغو وزير السياحة المغربي السابق هو الكاتب العام للتجمع.
المؤسسة الثالثة هي المركز العالمي للأبحاث حول اليهود المغاربة والذي اسس بباريس بمبادرة من روبير أصراف، في ماي 1995، وهذا المركز له حاليا ثلاث فروع، بالرباط وتل أبيب ومونريال.
وهي مؤسسة بحثية بكل من فرنسا، المغرب، الكيان الصهيوني، إسبانيا، كما تشرف على كرسي تاريخ المغرب واليهود المغاربة بالجامعة العبرية بالقدس، وعلى صعيد المغرب فالمركز له علاقات وطيدة بكليات الآداب بكل من الرباط، القنيطرة، فاس ووجدة.
الخلاصة، أننا نجد أنفسنا أمام أربع مؤسسات، فضلا عن مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، تتسم بـ:
- إعلانها لنفس الأهداف؛
- قيادتها من نفس الأشخاص مع إعادة توزيع المناصب؛
- استيعابها لمختلف مجالات التحرك السياسي، العلمي الثقافي، بحيث لم يبق إلا المجال الاقتصادي، وهو ما لا نعتقد أن اليهود المغاربة، من الغباء حتى يعلنوا عن تأسيس إطار خاص به.


إرسال تعليق