U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

الشيخ أبو حفص يكتب: ما لهؤلاء انسلخوا عن جلودهم؟

 




أعده للنشر: مصطفى بوكرن


مع قرب الموعد الانتخابي تتعدد القراءات لحصيلة تربع اليسار على سدة الحكم. وتتنوع التحليلات، وتتباين التقييمات.

وأنا ليست هذا بصدد التقييم والتحليل. وإنما أريد فقط أن اشير إلى فائدة هامة. وخلاصة نافعة يمكن أن يستخلصها المرء من خلال هذه التجربة.
وهذا الفائدة هي عدم الاغترار بما يرفع من شعارات. وعدم التأثر بما يرفع من لافتات. فقد ظهر للعيان، أن ما كانت ترفعه المعارضة اليسارية سابقا من شعارات، وما كانت تدعي النضال عليه من مبادئ وقيم. ما هي إلا شعارات جوفاء، وخطابات تهييجية فارغة يراد بها اللعب على العواطب، والمتاجرة بقضايا الناس، لتحقيق أغراض حزبية، ومآرب شخصية. وهذه بعض النماذج على التناقض الصارخ، بين الشعارات المرفوعة والواقع العملي:


أولا: تخلي الدفاع عن الطبقة الفقيرة



طالما ادعت هذه الأحزاب الدفاع عن الطبقة المسحوقة، وطالما رفعت شعار العدالة الاجتماعية ومحاربة الطبقية. فلما اعتلت سدة الحكم، كانت أول المتنكرين لها. بل إنها تصف الحركات الإسلامية بأن تستثمر هذه العوامل من أجل تقوية وجودها. وأنه كلما اتسع الهامش قوية شوكة هذه الحركات. "ولا أريد أن أطرح سؤالا: إن صح هذا، فلماذا تتفاعل هذه الفئات مع الخطاب الإسلامي ولا تفاعل مع الخطاب اليساري؟ وسأجيب عن هذا إن شاء الله في مقال قادم".


إن هذه الأحزاب إذا أرادت نبز الإسلاميين نبزتهم بكونهم يعيشون في الأحياء المهمشة، أي أن هذه الطبقة صارت مذمة وعيبا ينغي التبرؤ منه، فأين الدفاع عن الطبقة المسحوقة؟.


ثانيا: الصمت عن التعذيب والاختطاف والاعتقال



من أبرز الملفات التي كانت تدعي هذه الأحزاب الدفاع عنها. ملف الاختطافات والاعتقالات السرية بل أجلبت بخيلها ورجلها لوضع نهاية لهذا الملف، وطي صفحاته، فظن الناس أنه بتربع هذه الأحزاب على سدة الحكم قد طوي هذا الملف إلى الأبد، وحلم أغلب المواطنين بعهد جديد لا اختطاف فيه ولا تعذيب، ولا معتقلات سرية، ولا تزممارت ولا قلعة مكونة ولا دار المقري، لكن سرعان ما اكتشفوا أن حلمهم ما هو إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فالاختطافات لازالت مستمرة والتعذيب مس الكثير، العيون تعصب، والظهور تجلد، والكرامات تداس.


ولا ينفع هذه الأحزاب تملصها من مسؤولية ما يقع من اختطافات وتعذيب بحجة أن الأحزاب هي التي تتولى شؤون الحكم، فهي المسؤولة أولا وأخيرا عما يقع للمواطنين. ووزارة الداخلية ما هي إلا مكون من مكونات هذه الحكومة اليسارية، وكثيرا ما سمعنا زعماء هذه الأحزاب ينكرون وجود ما يمسى بوزارات السيادة. وكثيرا ما تحدثوا عن التنسيق الكامل بين كل الوزارات.


وحتى لو سلمنا جدلا بأن الحكومة ليس لها السلطة على جهاز الاستخبارات، الذي يتولى شأن هذه العمليات القذرة، فعلى الأقل، لو استنكروا ونددوا وشجبوا، لبرأناهم من مسؤولية هذه الأعمال الإجرامية.


ثالثا: التخلي عن الدفاع عن المعطلين



خاضت هذه الأحزاب أيام المعارضة "معاركة طويلة"، وسجالات عنيفة للدفاع عن حقوق المعطلين عن العمل، وظن هؤلاء المعطلون أنه بتولي هذه المعارضة لشؤون الحكم، ستنتهي متاعبهم، وستنقضي آلامهم، فآلاف المناصب من الشغل تنتظرهم، فإذا بهم يفاجؤون بأن آلامهم لا تزيد إلا شدة، ومحنهم لا تزيد إلا اختناقا، واصبحنا نستيقظ على أخبار الاعتصامات والوقافات الاحتجاجية. والأنكى من ذلك وأشد، تعرض المعتصمين – حت المعوقين منهم- للضرب وحقوق الإنسان، وثالثة الأثافي تعرض خريجي دار الحديث الحسنية الذين يمثلون – نظريا على الأقل- علماء الأمة ومربيها ومصلحيها. لحملة بوليسية شرسة. وسط ظلام الليل. فأين حقوق العلماء بله حقوق الإنسان، يا حملة الشعارات الحقوقية، والقيم الديمقراطية.


رابعا: من أين لك هذا؟



في إطار الدفاع عن حقوق المستضعفين، كثيرا ما تحدثت هذه الأحزاب أيام المعارضة عن التوزيع العادل للثروات. وادعت وقوفها بجانب الكادحين في معركتهم ضد أرباب الأموال، بل إنها لم تتورع تحقيقيا لمآربها عن المتاجرة بمبدأ، لا هو من أدبيات ماركس، ولا هو من شعارات روسو، بل هو مبدأ سلفي حالص، وهو شعار رفعه الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه- وهو يحاسب عماله ورعيته، فكان أول سؤال يطرحه عليهم: من أين لك هذا؟


وكان أولى بهذه الحكومة، وهي تتولي الآن شؤون الحكم أن تحاسب وزرائها ومستخدميها بهذا المبدأ السفي. فتسألهم من اين لهم هذه المنازل الفخمة، والسيارات الفارهة، والحمامات الرخامية؟


ومن أذن لهم في الامتيازات المالية التي يتمتعون بها "واسألوا عنها فتح الله لعلو فعنده الخبر اليقين"؟ بينما الطبقة الكادحة التي طالما ادعو الدفاع عنها ترزح في بؤسها. ومعدلات الفقر في اطراد، والهوة بين طبقات المجتمع لا تزداد إلا اتساعا.


خامسا: استقبال ومصافحة قتلة الأطفال



تتبجح هذه الأحزاب يوما بأنها تدافع عن القضية الفلسطينية. انطلاقا من ثقافتها العربية، ومرجعيتها القومية "وعن مدى أحقية القوميين بالدفاع عن القضية الفلسطينية سيكون لنا حديث قادم إن شاء الله".وتحاول التدليس على عموم الناس بخطابات قوية اللهجة، أو بالخروج في مسيرات حاشدة، وهي الأسلحة التي يتلقدها كل عاجز، ولو كانت هذه الأحزاب تدافع عن القضية لأعلنت حربها على أمريكا، راعية الإرهاب اليهودي. ولساندت الشعب الفلسطيني بكل وسائل الضغط التي تملكها بوصفها حكومة تملك كثيرا من هذه الوسائل.


فاستضافت في مؤتمر الأممية الاشتراكية قتلة أبنائنا ونسائنا ورجالنا في فلسطين. فحل هؤلاء القتلة الإرهابيون في بدلنا معززين مكرمين، وتمتعوا بدفء شمس المغرب. وكرم ضيافة حكومته، ولم يتوان قياديو هذه الأحزاب في مصافحة الأيدي الملوثة بدم الدرة وإيمان وغيرهم من شهداء الانتفاضة المباركة.


سادسا: التبعية لأمريكا



من بين أهم الأسس التي قام عليها النظام الاشتراكي التصدي للنظام الإمبريالي، ومحاربة منظومة قيمه.


وأمريكا طبعا تمثل قمة هذا النظام والراعي الأول له، فكان منطقيا وقوع التصادم بين هذه الأحزاب وبين امريكا ونظمها العالمية، لكن أحزابنا اليسارية لما تولت الحكم، مارست اشتراكية على نمط جديد، اشتراكية تكرس التبعية المطلقة لأمريكا، اشتراكية تتعامل مع البنك الدولي، وتخضع للإملاءات صندوق النقد الدولي، اشتراكية تشجع الاقتصاد الحر، وتكرس الطبقية، اشتراكية تسكت عن تسلط أمريكا. وتغض الطرف عن جرائمها في العراق وأفغانستان فما هو يا ترى رأي المنظرين الأولين للاشتراكية اشتراكية أحزابنا اليسارية؟


سابعا: إعلامهم إعلام التزوير والتزييف



على مستوى الإعلام، اتسم الخطاب اليساري بالدعوة إلى شفافية الإعلام ونزاهته، والحديث عن الديمقراطية في نقل الأخبار، والتجرد في تحليلها. لكن المؤسف أن هذه الأحزاب كانت أول المتنكرين لهذه الشعارات الرنانة، فالمطلع على صحف القوم، يرى كيف أنها احترفت الكذب بامتياز، وامتطت جواد التزييف والتزوير بجدارة. ويرى كيف أن حمى الانتخابات قد أفقدتها صوابها. وجعلتها تتخلى عن أدنى قد من المصداقية، فتعمدت تضخيم بعض الحوادث الفردية، وحاولت بكل قوة ربطها بالإسلاميين، لتصور هم على أنهم مجموعة من العصابات التي تقتل هنا، وتسرق هناك، وهي تهلل وتكبر، في سيناريوهات سينمائية، حبكتها عقول سخيفة، وكتبتها أقلام مريضة، وإن كانت هذه السيناريوهات التي يصلح عرضها على هوليود، تناسب شريحة القراء التي تتابع هذه الروايات العاطفية، والمواضيع الجنسية، التي تتحفنا بها هذه الصحف، يكون ولعا بالمغامرات البوليسية. وروايات القتل والسرقة، فهي إذن تضرب عصافير كثيرة بحجر واحد.


وأنتقي هنا مثالا واحدا من بين عشرات الأمثلة، على سياسة الكذب والتحريف، فقد كتبت جريدة الاتحاد الاشتراكي أن جماعة "أبي حفص" رغم بيانه المهادن تزعم أن الأمة غيرت وبدلن، فيتعين على الصالحين في الأمة ان يجاهدوا حتى يظهر الإسلام، ولو اقتضى الحال إغراق البلد بالدم.


فانظر إلى كذبهم أولا في نسبتي إلى جماعة معينة. وأنا لم يعلم عني أبدأ أني كنت في جماعة، أو تزعمت تنظيما.


ولنفترض انهم يقصدون المؤيدين المتعاطفين لدعوتنا السلفية المباركة، فمن أين لهم أننا نؤمن بما ذكروه من تحريض رخيص، وتهويش باطل؟


من المعلوم عند كل منصف، أنك إذا أردت الحكم على شخص رجعت إلى أدبياته من خلال مقالاته. ومؤلفاته وحواراته ومحاضراته، فكما يقولون: "من فيك أدينك بما فيك"، فأين عثروا عن مقالاتي أو حواراتي أو دروسي على مثل هذا الكلام؟ وإذا لم يكن البيان الذي وصفوه بالمهادن "ولوكنا من أهل المهادنة كمت هو شأن قوم غيروا جلدهم، لما تعرضنا بسبب آرائنا لمحن السجن والمتابعة" معبرا عن قناعاتنا وفكرا. فمن الذي يعبر عن ذلك؟


لعل الذي يعبر عن ذلك هو المحاضر البوليسية التي دبر أمرها بليل والتي صرح فيها أصحابها على لساني بمثل هذا الكلام. لما بحثوا ونقبوا في دروسي ومحاضراتي فلم يعثروا على ما يريدون وهنا يطرح السؤال: من أين لهذا الصحافي بهذا الكلام المستقى من محاضر البوليس؟ ولنا أن نتساءل أيضا عن طبيعة مصادرنا الخاصة، ومصادر مطلعة التي تستقي منها صحافة الكذب سخافاتها وخزعبلاتها؟


إن رائحة هذه الأحزاب قد فاحت، وأزكمت الأنوف، وأعمت العيون وهاهم القوم ينسلخون عن جلودهم ويتنكرون لماضيهم، فلا رزقوا الشجاعة الأدبية فأعلنوا توبتهم من القيم التي كانوا يحاربون من أجلها بعد أن تبرؤوا منها على المستوى العملي؟


مصدر المقال: جريدة العصر، العدد: 223، من 16 إلى 23 غشت 2002.




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة