مصطفى بوكرن
يواصل مولود السريري نقاشاته حول الاعتقاد بالتجسيم، ويرفض أن يتوقف عن المناقشة، بعد أن طلب منه بعض الفضلاء غلق الحوار مع مخالفيه، لأن الموضوع هو مناقشة مسألة جزئية، تتطلب الكثير من الهدوء والحكمة، غير أن المخالفين هم من بدأوا بالصراخ والعويل، كما ورد ذلك على لسانه في الجزء الثاني من الإجابة عن أسئلة المخالفين حول قاعدة: "التفويض في الكيف لا يرفع المعنى".
وقد اعتبر السريري أن ردود مخالفيه هي خطب إنشائية فارغة، ولا يوجد عندهم علم يضاف إلى هذا الموضوع، قال ذلك مفتتحا الجزء الرابع من محاوراته، الذي نشرت اليوم 30 غشت على الصفحة الرسمية لمدرسة تنكرت العتيقة.
وقد اتهم السلفيون السريري باستعماله المنطق اليوناني في العقيدة، فرد عليهم قائلا: "نحن اعتمدنا في بداية المحاورة على اللغة العربية، ببيان التلازم بين اللفظ والمعنى، فأثبتنا أنكم مجسمة، لكنكم انتقلتم إلى الكلي الذهني لنفي ذلك، فأثبتنا أنكم مجسمة، ثم انتقلتم إلى القدر المشترك، فأثبتنا أن ذلك يفضي إلى التجسيم. فأنتم من نقلتمونا إلى المنطق اليوناني، وما انتقلنا إليه إلا لمناقشتكم".
وفي رده على الاعتراض الذي يتردد باستمرار، والذي هو: "نفي كل الصور الذهنية التي فيها تجسيم، وإثبات المعنى". قال السريري: "مثلا: أنا الآن أفكر في اليد، فأعتقد أن جميع ما تصورته غير مقصود لله. عندما أنفي هذه الصور المجسمة، أثبت بعد ذلك المعنى" يضيف السريري متسائلا: "ما هو المعنى الذي سأثبته؟ من أين سآتي بهذا المعنى الذي سأثبته؟ أنظر في يد الإنسان...ثم أقول كل هذا الذي خطر ببالي ليس هو المقصود، ثم أثبت المعنى، السؤال: أي معنى؟" ويختم السرير قائلا: "الطريق الوحيد هو أن تقول: إنني نظرت في الوجود، فتصورت جميع الأيدي التي فيه، فتبين لي بالقطع، بأن هذا كله غير مقصود، وهنا ظهر لي عجزي، وتحقق لي أنني لن أدرك هذا الأمر، فأحلت علمه على الله".
واحتج مخالفوا السريري بالقدر المشترك بين الخالق والمخلوق، فاعتبر السريري هذا الدليل حجة له لا عليه، لأنه يثبت أنهم وقعوا في التجسيم، فقال: "يستوجب الحمل على القدر المشترك الوحدة في الجنس، لا يمكن أن يجتمع مفردان اختلفا في الجنس تحت قدر مشترك، مستحيل"، ثم يضيف قائلا: "فإذا قلت: القدر المشترك هو الذي يجمع بين يدي الخالق والمخلوق فلا بد أن يكون الكل عضوا، فإذا قلت: إني لا أقصد ذلك، وإنما أقصد القدر المشترك الصفة، فلا بد أن تكون يد الإنسان صفة".
ويبدو من خلال محاورات السريري، كأنه قد أنهى نقاشه مع السلفيين، لأن ما يرد عليه ليس اعتراضات، إنما أسئلة دراسية، كما جاء لا لسانه، ولا ترقى إلى الردود العلمية. وبذلك، انتقل ليفتح نقاشا مع الأشاعرة في تأويل اليد مجازا، بعد أن تحدث عن سكوت الصحابة، واختيار أحد الاحتمالات الثالثة التي يعتقدون بها، فقال: "لم ينطق صحابي في مثل هذه الأمور مثلما نطق ابن عباس، مما يعني أن الصحابة كانوا يذهبون إلى المجاز، وهذا هو متمسك الأشاعرة، وسنناقشهم في هذه المسألة، وحبذا أن نناقش الجميع، فالكلام مع جهة واحدة ليس كافيا".
مواضيع ذات صلة:
إرسال تعليق