بقلم: مصطفى بوكرن
من المصطلحات السياسة، التي تعرف رواجا مستمرا لقرون، مصطلح المخزن، وبقدر ما يردده الفاعلون السياسيون، بقدر ما يتضح أحيانا، أن هذا المصطلح غامض في مدلوله. فهناك من يعتبر المصطلح بديهيا، وهناك من يعتبر بنية سياسية معقدة، وهناك من نظر إليه باعتباره نظاما سياسيا له خصوصية مميزة، انفرد بها المغرب، حسب ما جاء في أطروحة محمد جادور، مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب، من إصدارات مؤسسة الملك عبد العزيز، الدار البيضاء، سنة 2011.
يتحدث المؤرخ محمد جادور، في أطروحته للدكتوراه، عن الظهور الأول لمصطلح المخزن، حيث ورد الحديث عنه لأول مرة بشمال إفريقيا خلال القرن الثاني الهجري، الموافق للقرن الثامن ميلادي، للدلالة على الخزينة الحديدية، التي كانت توضع فيها المداخيل المالية المحصلة من الضرائب، قبل أن يَبعث بها والي إفريقية إلى الخليفة العباسي. وكلف بحراسة هذه الخزينة أشخاص حملوا اسم "عبيد المخزن" في بلاد الأندلس.
لكن هذا المفهوم، تطور حين انفصل المغرب عن المشرق، وأوضح جادور أن المفهوم أضحى يدل على معنى إداري أوسع نسبيا في الغرب الإسلامي منذ العهدين المرابطي والموحدي. وقد استدل المؤرخ جادور بما ورد عند البيدق في أخباره عن ابن تومرت، كان يستعمل عبارة عبيد المخزن، التي تجسد كل الخدام الذين يتقاضون أجرا من الخزينة خلال حكم المرابطين والموحدين والمرينيين.
ويتضح أن دلالة المخزن في التاريخ المغربي دلالة مالية واقتصادية وتجارية، لكن المخزن سيعرف تطورا كبيرا في العهد السعدي، ويؤكد المؤرخ محمد جادور، أن مجموعة من الدراسين، اعتبروا العهد السعدي، وخاصة عهد أحمد المنصور، المرحلة التي أصبح فيها جهاز المخزن يحمل دلالة "دولة" أو "سلطة مركزية".
عهد أحمد المنصور، المرحلة التي أصبح فيها جهاز المخزن يحمل دلالة "دولة" أو "سلطة مركزية".
ويرجع محمد جادور هذا التحول، إلى ما عبر عنه المؤرخ عبد الله العروي في مجمل تاريخ المغرب، حيث اعتبر الربع الأخير من القرن السادس عشر، في حكم أحمد المنصور، والذي تميز الكفاءة وقوة الشخصية، حيث عمل على إعادة تنظيم المخزن، انطلاقا من التجربة التي اكتسبها في منفاه لدى الأتراك رفقة أخيه. وبهذا يكون بحق الملك الوحيد قبل القرن العشرين، الذي خطط لسياسة وطنية عصرية، واتسم ملكه بالعظمة والسؤدد.
وأشار المؤرخ محمد جادور إلى أن الاستعمال الرسمي لكلمة المخزن، لم تستعمل رسميا إلا في القرن التاسع عشر، كما تشهد بذلك الأرشيفات الوطنية. على الرغم من أن كلمة المخزن استخدمت في الظهائر والرسائل السلطانية قبل ذلك بقرون.
تطورت مؤسسة المخزن إلى أن أصبحت تعبر في العصر الحديث عن مجموعة من التنظيمات الإدارية، والتي تشكلت تدريجيا بفعل الضرورات الداخلية المتمثلة في الحفاظ على الأمن وتحصيل الضرائب، ثم التزامات السياسة الخارجية وما واكبها من تبادل للمبعوثين، كل ذلك أضفى على المخزن تدريجيا مؤسسة سياسية حقيقية. واعتبر المؤرخ جادور أن ثمة شبه إجماع على هذا الرأي.
إن التطور الدلالي لمصطلح المخزن عبر التاريخ، يدل أن المغرب تشكلت فيه مؤسسة سياسية عبر قرون، اكتسبت خبرة سياسية في إدارة الحكم والشعب. وليست هذه المؤسسة وليدة اليوم، بل لها جذور وتقاليد راسخة.
إرسال تعليق