U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

مصطفى الخلفي يكتب: اليهود المغاربة والحياة السياسية الصهيونية 4/2





أعده للنشر: مصطفى بوكرن


في الحلقة الماضية، تطرقنا لخطوة تأسيس الاتحاد العالمي لليهود المغاربة وموقعها من مجموع المؤسسات التي يقدم اليهود المغاربة على إنشائها، وفي هذه الحلقة الثانية، نستكمل بحثنا في هذا الملف، من أجل استيعاب وفهم دلالات هذه الخطوات.



نعتقد أن هناك أربع مجالات كبرى تشكل أرضية البحث هذه الدلالات وبالتالي تحديد الدور الفعلي والحقيقي وليس الموهوم، لليهود المغاربة، وهذه المجالات هي أولا الحياة السياسية الصهيونية، وثانيها ملف التطبيع العربي الصهيوني، وثالثا إطلاق عملية التسوية ثم رابعها دفع ودعم البحث العلمي في التاريخ اليهودي المعاصر. وسنقتصر في هذه الحلقة على المجال الأول.



1- التوجهات السياسية لليهود المغاربة:




هناك مفارقة غريبة ولافتة، يصطدم بها مختلف الباحثين في موضوع اليهود المغاربة، وهي الاختلاف الشامل بين اليهود المغاربة المقيمين بالمغرب وبين اليهود ذوي الأصل المغربي الموجودين بالكيان الصهيوني، حيث يتسم القسم الأول: وهو ضئيل لا يتجاوز بضعة آلاف، إلى إعلان إيمانه بخيار السلام والتسوية وتبني توجهات حزب العمل الصهيوني والدفاع عليها بل وتبرير مواقف المغرب الرافضة لأي اتصال رسمي مع حكومة الليكود السابقة، وذلك من قبيل ما صرح به أندريه أزولاي، المستشار الاقتصادي للعاهل المغربي أثناء افتتاح معهد بيريز للسلام في أكتوبر من سنة 1997، حيث قال: "إن المغرب جمد علاقاته مع إسرائيل ولن يستقبل أي مسؤول إسرائيلي".



أما القسم الثاني فتمثله الأغلبية الساحقة من اليهود المغاربة بالكيان الصهيوني، والذين يصل عددهم إلى 700 ألف "هم بمثابة ثالث تجمع بعد يهود رابطة الدول المستقلة 1.1 مليون نسمة وفلسطيني 1948، مليون نسمة" غالبية هذا القسم يجنح لتبني توجهات عدائية تجاه العرب كما يشكل القاعدة الانتخابية الصلبة لليمين عموما والمتطرف منه خصوصا، فهم يشكلون العمود الفقري لحزب شاس المتطرف ثالث قوة انتخابية. لقد شكلت هذه التوجهات اليمينية عقدة عند اليسار الصهيوني ففي يوليوز من السنة الماضية، تفجرت داخل الكيان الصهيوني ضجة كبيرة حول تصريحات أوري أور أحد قادة حزب العمل المقربين لإيهود بارك والتي وجه فيها انتقادات لاذعة إلى "السفارديم" متهما إياهم بنكران الجميل ومحملا لهم بذلك مسؤولية فشل بيريز في الانتخابات السابقة. مما رود في كلامه قوله "أنا حزين لأنني عندما أتوجه لمواقع المهاجرين ومدن التطوير أسمع حتى الآن تصريحات تهدف إلى تكريس الكراهية للحزب "أي حزب العمل" وجمع الرصيد السياسي على حساب الشرائع المسحوقة (...) أنا حزين لأن كل ما فعلناه من أجلهم لم ينفع شيئا (...) فالشرقيون وخصوصا المغاربة ملتصقون بالليكود وشاس ولن تبعدهم أية قوة كانت (...)، إنني عندما أقول الطوائف الشرقية أقصد المغاربة تحديدا فهم الطائفة لأكثر إشكالية"، وهذه التصريحات جاءت رد فعل على الحصيلة الهزيلة لعلاقة حزب العمل باليهود المغاربة خصوصا، رغم أن إيهود باراك، مباشرة بعد اعتلائه قمة حزب العمل، قدم خطاب اعتذار باسم حزب العمل لمهاجري الخمسينات، ويقصد بهم اليهود المغاربة على وجه التحديد، تعود جذور ذلك إلى الأخطاء التي ارتكبت في علمية تهجيرهم، فقد صدرت في بداية شتنبر 1998 عن مركز التراث الاستخباري بهرتسيليا تقارير تكشف عن الوحدات السرية التي شكلت في صيف 1955 بهدف استقدام اليهود المغاربة بل كشفت هذه التقارير عن القيام بعمليات إرهابية لإرغامهم على الهجرة، وإقامة هذه الوحدة صدر عن أحد اليهود المغاربة سلومون إزولاي. وللإشارة فالإعلان عن هذه المعلومات، جاء بمناسبة افتتاح "وحدة أبحاث الدفاع والهجرة السرية في شمال إفريقيا" بمركز التراث الاستخباري المشار إليه آنفا.



في هذا الحفل تحدث أحد قادة المنظمة السرية شلومو جيلاف عن الاهتمام الذي أبداه بن غوريون للشبان الصغار من اليهود المغاربة الذين وصلوا لإسرائيل من أجل المشاركة في دورة قيادية". لقد قال لهم إنه ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يهاجرون فيه إلى إسرائيل ويخدمون الجيش وصافح يد كل واحد منهم". كما أشار جيلاف إلى أنه أوصى بأن لا تقيم المنظمة السرية التي ستنشأ أية علاقات مع قادة الجالية اليهودية، ذلك لأنهم معرضون إلى الضغط من جانب السلطات المغربية، وهذا يكشف عن أحد أسباب وجذور الانفصام الحاصل حاليا بين قادة اليهود المغاربة وشبابهم. استطردنا في سرد هذه الوقائع لنستحضر بعض المعطيات حول هجرة اليهود المغاربة، التي سبق لأبراهم السرفاتي، أن سماها بالانسلاخ الصهيوني والاقتلاع من الجذور المغربية، وهو ما يساعد في فهم التوجهات السياسية لليهود المغاربة داخل الكيان الصهيوني.



2- فعالية بارزة:




إن هذه التوجهات تبرز بوضوح على صعيد الفعالية السياسية لهم، ونذكر هنا فقط أن حكومة الليكود السابقة كان فيها ست وزراء من أصل 17 وزيرا في الحكومة، منهم أربعة وزراء من الليكود أبرزهم وزير السياحة والاقليات موشيه قصاب ووزير المالية مئير شطريت ووزير العلوم سالبان شلوم ووزيرين من حزب شاس هما وزير الداخلية غيلي سويسا ووزير العمل والرفاه إيلي بشاي، كما أن عدد اليهود المغاربة في الكنيست يصل إلى 20 أي ضعف العدد الممكن والمتناسب مع نسبتهم في المجتمع الصهيوني، وهو ما يدل على أن الفعالية السياسية لليهود المغاربة فعالية وازنة معتبرة، أما بعد الانتخابات الأخيرة فيمكن أن نلاحظ أمرين: أولاهما الدعم الذي تلقاه حزب ديفيد ليفي زعيم حزب غيشر "أي الجسر" وهو يهودي مغربي سبق له أن شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الليكود السابقة، وانسحب منها بعد خلافات مع نتن ياهو، وقد كان ديفيد ليفي، المعروف بمواقفه ضد المغرب، المرشح الثالث ضمن قائمة التحالف المشكل من حزب العمل والأحزاب المتعاونة معه ضد الليكود.



وهذا ما يعني أن اليهود المغاربة من خلال حزب ليفي سيكون لهم حضور سياسي وازن في الحياة السياسية الصهيونية، أما الملاحظة الثانية والتي تعزز ما سبق. فهي موقف حزب شاس من حزب العمل حيث أبدى رغبته في التحالف معه في تشكيل الحكومة الحالية معلنا أن دوره سيكون الدفاع عن التوجهات اليمينية والوقوف في وجه طروحات حزب ميرتس ذي "التوجهات المعتدلة" في العلاقة مع الفلسطينيين. ذلك أن هذا الأخير يشكل طرفا في التحالف الحكومي المرتقب.



هناك مغالاة في تضخيم دور اليهود المغاربة المتواجدين داخل الكيان الصهيوني



هل هذه الفعالية تصب في مصلحة المغرب؟ سؤال مستفز ورغم ذلك فالإجابة سلبية، بل العكس هو الوارد، ونعيد التذكير هنا بما فعله ديفيد ليفي، وزير خارجية الكيان الصهيوني سابقا، حيث خاض حملة شرسة ضد المغرب خصوصا بعد أن تم رفض استقبال مسؤولي الكيان الصهيوني من طرف في سنة 1997.



وحتى نستكمل الصورة العامة لهذا المجال، نشير إلى أنه تقع عملية توريث التوجهات اليمينية إلى الأجيال اللاحقة من اليهود الشرقيين، حيث تقوم شبكة شاس التعليمية المسماة بشبكة "معيان" للتعليم التوراتي بتأطير قاعدة واسعة ومتزايدة من أطفال اليهود الشرقيين. فعلى صعيد رياض الأطفال فقط، نجدها تؤطر ما يزيد عن 11 ألف بنسبة 1.8 في المائة من مجموع تلاميذ الروضة.



هناك توجه آخر للفعالية السياسية لليهود المغاربة المقيمين بالمغرب والذي تمثل بعقد مؤتمر الاتحاد العالمي لليهود المغاربة، والذي دعا فيه العاهل المغربي إلى التصويت على السلام، وجه خطابه للأعضاء المؤسسين بأن له "اليقين أن اختياركم سوف يكون اختيارا للسلام وللساعين إليه" وفي تصريح لأندريه أزولاي للشرق الأوسط صرح بان دعوة العاهل المغربي لا تحمل في طياتها أية خلفية حزبية وأنها ذات بعد فلسفي وليس تدخلا سياسيا. وقد أشار بلوم أحد الصهاينة في صحيفة يديعوت أحرنوت قبيل الانتخابات الصهيونية الأخيرة، إلى أن العاهل المغربي "ٍيكون من الصعب عليه العودة إذا كان الفائز نتن ياهو" وذلك بعد أن أشار إلى استئناف اهتمام المغرب بإسرائيل لم يكن إلا عشية الانتخابات وقد أغنى فوز بارك عن حصول هذا السيناريو.



الخلاصة أن هناك مغالاة في تضخيم دور اليهود المغاربة المتواجدين داخل الكيان الصهيوني في دعم ما يعتبر قوى السلام، وهذه المغالاة والتضخيم تقف وراء محاولة إيهامنا بأن هناك شيئا ما يمكن أن يفعله اليهود ذوي الأصل المغربي لصالح المغرب، وهو ما تعمل على تسويقه بعض المنابر والجهات، بل على العكس نجدهم يخدمون الكيان الصهيوني وهو ما نبحثه مستقبلا.


مصدر المقال: جريدة العصر، العدد:60، 31 ماي 1999.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة