U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

مصطفى الخلفي يكتب: أية مسارات مستقبلة للعلاقات المغربية - الإسرائيلية؟ 4/4

 




بقلم: مصطفى الخلفي



ينتظم ملف مستقبل العلاقات المغربية الإسرائيلية ضمن مسارات متعددة، يشكل عمودها الفقري اليهود المغاربة، منها ما هو بارز إلى السطح، كمسار مسلسل التسوية ومسار التطبيع، ومنها ما هو متواري غير بارز، كملف قضية الصحراء الترابية وملف أملاك اليهود المغاربة المهاجرين.



فضلا عن ذلك ازدهرت حركة الهجرة المغربية إلى الكيان الصهيوني، حتى أن وزارة خارجية دولة الكيان الصهيوني حثت مكتب الاتصال بالرباط على التوقف عن إصدار تأشيرات لدخول الفتيات المغربيات ممن تقل أعمارهن عن 20 سنة، وذلك بعد ظهور شركات تشغيل "إسرائيلية" تستغل البطالة الموجودة في المغرب للمتاجرة في اليد العاملة، ووصل الأمر أن يتم طرد 16 مغربيا من الكيان الصهيوني في الخريف بسبب الهجرة غير الشرعية التي استغلت فيها نوادي هيوعيل الرياضية التابعة لحزب العمل. أيضا على المستوى السياحي، نشطت حركة السياحة بشكل كبير، متذرعة بالعودة إلى رؤية الجذور، وظهرت وكالات أسفار متخصصة في بعض المناطق، كوجدة، فاس، الصوير، آسفي، في ارتباط مع المهرجانات الصيفية الثقافية التي ترعاها شخصيات يهودية مغربية نافذة. أما الندوات العلمية والثقافية فقد استمرت خصوصا ما انعقد منها في ظل "المركز الدولي للأبحاث حول يهود المغرب"، فمثلا الندوة التي خصصت لبحث ملف الهجرة اليهودية المغربية في أواخر أكتوبر 98 ساهم فيها ثلاث أساتذة من الجامعات الصهيونية من أصل ستة عشر أستاذا، وباحثا، وقد تركزت الندوة على  بحث موضوع الهجرات الكبرى لليهود من المغرب بدءا من سنة 1948 إلى يومنا هذا مرورا بهجرات 1955 و1960 و1973، وكان من الخلاصات أن الطائفة اليهودية الموجودة حاليا في المغرب لا تشكل ما تبقى من ساكنة اثنية، بل هي مركز لليهود المغاربة بمؤسساتها الدينية والتعليمية والاجتماعية التقليدية، وقد أعلن على هامش هذا الملتقى عن توقيع اتفاقية اتفاقية بين المركز وبين جامعة فاس - سايس حول القيام ببعض الأبحاث وتجميع أرشيفات ووثائق تخص يهود المغرب إجمالا ويهود فاس تحديدا.


وأيضا توقيع اتفاق بحثي مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يهم تطوير البحث حول حقيقة موقع اليهود المغاربة في المجتمع. وللإشارة فإن هناك حوالي 20 طالبا مغربيا مسلما يدرسون في جامعات حيفا أو أورشليم وغيرها، حسب تصريح دفيد دانون رئيس مكتب الاتصال السابق، الذي يتحمل مسؤولية إدارة شعبية شمال إفريقيا في وزارة الخارجية الصهيونية، وهو مآله دلالات هامة على صعيد مستقبل العلاقات الديبلوماسية.


ماذا يعني أن تكون الحصيلة بهذا الحجم في عهد نتن ياهو، بكل بساطة إن علينا أن ننتظر الآن، سيلا جارفا من المهرولين الجدد، كانت أولى نتائجه استدعاء غاذي غولان، رئيس مكتب الاتصال الصهيوني بالمغرب إلى القناة التلفزية المغربية الثانية للتعليق على نتائج فوز باراك. فضلا عن التصريحات التي أعقبت انتهاء أشغال مؤتمر "الاتحاد العالمي لليهود المغاربة" والمبشرة بعهد جديد في التطبيع الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي، بل إن بعض المصادر تتحدث عن اختراق تطبيعي شامل للإعلام الفرنكفوني بالمغرب واستعداده للتجند لخدمة مشروع التطبيع، وهو الشيء الذي بدأت إرهاصاته في الاستنتاجات التي صدرت بعد فوز باراك. حتى الآن المرء يخيل إليه أنه أمام "هارتس" أو يديعوت أحرنوت" مغربية.


هل سيخدم مسار التطبيع، ما يدعو إليه البعض، من العمل على استرجاع اليهود المغاربة إلى المغرب؟ لا نعتقد ذلك، بل إن الواقع الملموس، يكشف أنه سنة بعد أخرى يتقلص عدد اليهود الموجودين بالمغرب وهو حاليا في حدود الثلاثة آلاف، وهذه قضية تؤرق قادة اليهود بالمغرب، لا سيما بعد اندلاع موجة هجرة خفية في سنة 1996 وبدايات 1997، بحيث اقتضى الأمر عقد لقاء استعجالي في يوليوز 1997 بتأطير مستشار العاهل المغربي أندريه أزولاي، لبحث أسباب ظاهرة الهجرة والعمل على الحد منها، ورغم الجهود الجبارة التي تبذل إلا أن الحصيلة سلبية، وقد أشرنا من قبل إلى الندوة العملية لأكتوبر التي خصصت لهذا الموضوع، والقناعة النهائية لأصحابها هي أن المغرب ليس إلا مركزا روحيا لا غير، إلى أي مدى يمكن أن يصل إليه التطبيع، بعد فوز بارك؟ بمعنى هل يمكن انتظار رفع درجة الحضور الديبلوماسي مثلا؟ في تقديري هذا أمر وارد، لاسيما إذا ما استطاع باراك أن يشكل حكومة لا يتواجد فيها الليكود وأعلن التزامه بمقتضيات تفاق واي ريفر، وبالنسبة للحكومة المغربية الحالية، فرغم أنها من المعارضة الوطنية السابقة، إلا أنها قد تضطر لقبول ذلك، وهذا الحكم يستند على ما سبق أن طرحه اليوسفي في الافتتاحية، المشار إليها آنفا عندما كتب "لقد ضاع ما يكفي من الوقت، فعلى إسرائيل أن تتجه إلى تنفيذ التزاماتها وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين ولبنان وسوريا وحتى تسترجع شعوب هذه الأقطار العربية حقوقها المشروعة، وآنذاك يمكن أن تنفتح إمكانات التطبيع وغير التطبيع وبيت القصيد هنا هو أن المنطق الذي يحكم نظرة الاتحاد الاشتراكي، الطرف الرئيس في الائتلاف الحكومي بالمغرب للقضية الفلسطينية هو منطق التسوية والتفاوض. بكلمة، إن المغرب يقدم نفسه كنموذج رائد في عملية التطبيع، يتجاوز من خلاله حتى مصر التي مر على توقيعها لاتفاقية كامب ديفيد ما يزيد عن 20 سنة ولم يستطع الكيان الصهيوني أن يخترق بنياتها الثقافية والأكاديمية والشعبية، ويمكننا الذهاب أكثر من ذلك، لندعو إلى المقارنة بين حصيلة التطبيع في مرحلة نتن ياهو، في اتجاه مختلف الدول العربية، وسنجد حتما أن المغرب يقف على رأسها. إن إحدى أسئلة المرحلة الحالية هي العمل على بحث حصيلة ست سنوات من التطبيع مع الكيان الصهيوني على مختلف الأصعدة وتقديم استشراف مستقبلي للتطورات المحتملة له على ضوء تلك الحصيلة.



3- اليهود المغاربة وملف الصحراء المغربية:



تحيل كثير من الكتابات على ملف الصحراء المغربية لتفسير هذا الانفتاح الغريب للمغرب على الكيان الصهيوني، بل واعتبار خدماتهم له على هذا الصعيد، إحدى المبررات الرئيسية لسعيه نحو الانخراط ضمن منطق التسوية والتطبيع.


يتوفر هذا الرأي على شواهد عدة بما يجعله رأيا معتبرا وذا وزن في تفسير المستوى العام للعلاقات المغربية - الصهيونية، وأبرز هذه الشواهد تتمثل في:

- أن الاهتمام باليهود المغاربة، لم ينبعث من جديد إلا بعد تفجر قضية الصحراء، وهي ملاحظة طرحها أحد قادة اليهود المغاربة شمعون ليفي في حوار له مع مجلة امل المغربية "عدد 1997/11/10 " فقبلها - أي قبل اندلاع مشكلة الصحراء- وتحديد منذ سنة 1967، عانى اليهود المغاربة كثيرا، اعتقلوا، همشوا، وقع تناسيهم. أنا لا أتحدث في باب الحقوق والواجبات بل أتحدث عن التهميش وكمثال على ذلك إقصاء حاخام اليهود من الدعوة لحضور احتفالات عيد العرش.


- الدعم العسكري واللوجيستيكي الذي عمل اليهود المغاربة على توفيره من أجل تأمين الدفاع عن الوحدة الترابية ولم يكن استقبال شمعون بريز في منتصف الثمانينات بإيفران إلا اعترافا بهذا الجميل "أنظر أجنس بنسيمون، الحسن الثاني واليهود، باريس، طبع سوي 1991، ص 203-202".


- التحرك الديبلوماسي لشرح وجهة النظر المغربية وخصوصا الحركة "المكثفة" لكل من سيرج دييربيكو، أزولاي، ساسون، أصراف وليفي منذ السبعينات التي أثمتر تفهما للأطروحة المغربية عند عدد من الأطراف والجهات. وازدادت أهمية هذا الجانب بعد أن أصبح الملف تحت عباءة الأمم المتحدة.


إن هذه العناصر الثلاث تمثل أهم مرتكزات الرأي القائم على أهمية دورة اليهود المغاربة في خدمة ملف الوحدة الترابية للمغرب، إلا أن تعليقنا على هذا الرأي، هو التضخيم المبالغ فيه لدور اليهود المغاربة في الموضوع والانطلاق من تحركات فردية - ظرفية لتعتبر بمثابة حركة ضخمة تعبر عن تيار عام في صفوف اليهود المغاربة رغم أن منهم من ساند الأطروحة الانفصالية كزعيم منظمة إلى الأمام أبراهام السرفاتي، والشاهد عندنا في هذا الصدد، هل تنسجم الوضعية الراهنة لمسلسل التسوية الأممي والتي اضطر فيها إلى تقديم تنازلات مجحفة، مع طبيعة الجهود الديبلوماسية لليهود المغاربة التي تطرح على أنها جهود جبارة ومكثفة طبعا لا تنسجم إلا لكان وضع المغرب  أحسن بكثير مما هو قائم.



4- أملاك اليهود المغاربة الذين هاجروا من المغرب:



مسار رابع يطرح على صعيد العلاقات المغربية -الصهيونية وهو الخاص بالمطالبة بالأملاك اليهودية بالمغرب التي تركها اليهود قبل هجرتهم لفلسطين.



قد يبدو هذا مسارا مستبعدا، إلا أننا نرى العكس، ففي بداية هذه السنة، تشكلت داخل الكنيست الصهيوني لجنة خاصة بحصر ممتلكات اليهود في تسع دول عربية، مصر، العراف، سوريا، ليبيا، اليمن، تونس، المغرب، الجزائر ولبنان، وقد قدرت اللجنة عدد المستحقين للتعويضات  ب 600 ألف شخص. وقد تم الانخراط عمليا في هذا المسار بتنسيق مع المنظمات اليهودية العالمية لجمع الوثائق والشهادات من الأحياء بل والقيام وبزيارات ميدانية تحت غطاء البحث العلمي والسياحة.



في فبراير الماضي، عرفت مصر ضجة قوية على هذا الأمر، بعد تسريب تقارير مفصلة عن الموضوع وصدور تصريحات مستفزة عن الصهاينة، أبرزها ما أوردها الصحافي جمال عرفة في مجلة المجتمع "عدد 1340، 2مارس 1999" من اعتراف إيلان شتاينيرج، المدير التنفيذي لمنظمة المؤتمر اليهودي العالمي لأن الغاية من هذا الحصر هي "تسليح إسرائيل بالحقائق والوثائق والأرقام عندما يحين وقت مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين، لأن الممتلكات الإسرائيلية المفقودة ستكون جزءا مما تتناوله تلك المفاوضات".



إن هذه المعطيات تجعلنا نتسائل عن المقاصد المريبة للأبحاث العلمية التي تمول حول موضوع اليهود المغاربة والتي تتخذ عناوين عامة لها، كالمحافظة على التراث اليهودي المغربي.ونشير هنا إلى أن بعض الإحصاءات اليهودية تتحدث عن حوالي خمسة آلاف دراسة معدة عن اليهود المغاربة فقط، تم إنجازها إلى حدود بداية التسعينات وهو ما شببه أحد السياسيين المغاربة بالهولوكست الجديد.



الخلاصة هي أن تفاهم بل وتعاون المغرب مع الكيان الصهيوني في ملفات التسوية والتطبيع، قد يضمن له على الأقل سد باب هذه الابتزازات القادمة لا محالة، ولو مؤقتا.



خاتمة: نأتي إلى ختام هذه المقالة حول اليهود المغاربة والمسارات المستقبلية للعلاقات المغربية - الإسرائيلية، التي يتضح أنها مسارات مهولة تفتح الباب على تحديات خطيرة وكبرى تتطلب تجند القوى الوطنية الرافضة للمشروع الصهيوني للعمل على رفع وثيرة اشتغالها ونضالها لمواجهته. ذلك أن الطبيعة الاستيطانية والعنصرية والتوسعية والاستكبارية تجعل أي قبول بمنطق التسوية هول قبول بالأوهام التي لا طائل من ورائها.


مرجع المقال: العدد 63، 21 يونيو 1999.

مواضيع ذات صلة:

مصطفى الخلفي يكتب: اليهود المغاربة بين الدور الموهوم والدور الحقيقي 4/1

- مصطفى الخلفي يكتب: اليهود المغاربة والحياة السياسية الصهيونية 4/2

- مصطفى الخلفي يكتب: أية مسارات مستقبلية للعلاقات الإسرائيلية - المغربية؟ 4/3





تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة