مصطفى بوكرن:
روى الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته الشخصية من كتاب: "ابن القرية والكتاب.. ملامح سيرة ومسيرة" تفاصيل زيارته المثيرة إلى المغرب.
دعاه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري لحضور الدروس الحسينة في رمضان 1403 الموافق 1983.
ويروي القرضاوي أن الكثيرين حذروه من هذه الدروس، لأنها تلزم العلماء بطقوس معينة، لا تتوافق مع طبيعته، مثل الانحناء، والمبالغة في الثناء والتعظيم للملك. ولذلك، كان يعتذر كلما دعته وزارة الأوقاف إلى إلقاء درس ديني أمام الملك. لكن سفراء قطر، أقنعوه، أنه ليس هناك شيء من ذلك، فالعالم حر في تصرفاته، ولا أحد يلزم العلماء بهذه الأفعال.
ويروي القرضاوي رحمه الله في مذكراته، أنه ألقى درسا أمام الملك في رمضان 1403، الموافق 1983، بأسلوب مرتجل غير مكتوب، انطلق فيه من الحديث النبوي الذي رواه أبو داود والحاكم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة: من يجدد لها دينها".
وسبب اختيار القرضاوي لهذا الحديث، أن الأمة الإسلامية مقبلة على القرن الخامس عشر، ولم يمض منه إلا سنتان وبعض الثالثة.
كان القرضاوي مصرا على أن يظهر على سجيته، دون أن يلتزم بالطقوس المرعية، حيث ذهب إلى القصر، وسلم على الملك من وقوف، ولم ينحني له. وقد وصف القرضاوي الملك قائلا: "كان الرجل بشوشا مرحبا بي أكثر من غيري ممن ألقوا دروسا قبلي".
تابع القرضاوي دروس من قبله في مخاطبته للملك، حيث يبالغون في الإطراء والثناء، لكنه هو اختار أن يقول في بداية درسه مخاطبا الملك بهذه العبارة: "مولانا الملك المعظم". ويشرح القرضاوي في مذكراته، لماذا اختار ذلك؟ حيث قال: "كلمة (مولانا) فكل المسلمين موالي بعضهم لبعض" وقال معلقا على كلمة (الملك) فهذه حقيقة، فهو ملك مبايع من شعبه" أما كلمة (المعظم) فقال: "فهي حقيقة كذلك، بل هو معظم جدا، ولاسيما من ناحية نسبه الشريف، إذ هو يفخر بأنه ينتمي إلى الحسن السبط أحد سيدي شباب أهل الجنة، فلم أكذب ولم أنافق في قلت".
ووصف القرضاوي تلقي الملك الحسن الثاني لدرسه الذي ألقاه في مدة خمسين دقيقة، قائلا: "كان الملك يصغي إلي باهتمام: بوجهه وعينيه وأذنيه".
لكن ما لم يتوقعه القرضاوي، وكان مفاجئا له، هو مناقشة الملك له، قبل اختتام درسه بقليل، حيث قال الملك: "إن الذي نحفظه في رواية هذا الحديث: أنه بلفظ (يجدد لها أمر دينها)". فأجابه القرضاوي قائلا: "هذا هو المشهور على الألسنة، ولكن الذي رواه أبو داود في كتاب الملاحم من سننه، ورواه الحاكم في مستدرك، ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كلهم متفقون على هذه الصيغة (يجدد لها دينها)".
كان ليوسف القرضاوي أن يسلم للمك بما قاله، وينتهي الدرس أمام ملك معظم، لكن القرضاوي قال: "لن أحرف العلم من أجل الملك، ولا أحسبه هو يرضى ذلك مني". وروى القرضاوي أن هذا الحديث كان موضع حديث في المغرب كله.
ومما حكاه القرضاوي من طُرف الدرس، أن انشغاله بالدرس أكثر من انشغاله بالملك، نسي الدعاء للملك في ختام حديثه. وكشف القرضاوي أن الملك صافحه بحرارة، وقال له: " نريدك أن تكون معنا في الموسم القادم".
وروى القرضاوي أن مجلة العدل والإحسان على لسان مرشدها عبد السلام ياسين نوهت بموقفه أمام الملك. وقد التقى القرضاوي بالشباب الإسلامي، وأخبروه قائلين: "إما أن نمزق كتبك بعد هذا الدرس، إذا لم توف بحقها، ولم تحترم ما قلته فيها، وإما أن نزداد احتراما واحتضانا لها".

إرسال تعليق