بقلم: مصطفى الخلفي
في الحلقتين الماضيتين تركز خطابنا حول ملف اليهود المغاربة سواء من حيث المستوى العام لأدائهم على الصعيد الدولي أو من حيث توجهاتهم السياسية وفعاليتهم الميدانية لتنزيلها.
أما هذه الحلقة فهي خطوة لتحليل آثار ذلك، على المسار المفصلية للعلاقات المغربية – الإسرائيلية، ورغم أننا نعتقد أن هذا العمل يتطلب دراسة أكثر تفصيلا واستقصاء، إلا أن الظرف الراهن في ظل التطورات المتسارعة لتناقضاته، يفرض على الأقل، التطرق لأهم مساراتها، وذلك لاعتبارات عدة نوجزها في:
- بحث حجم الاستفادة المغربية من هذه الطريقة البراغماتية في إدارة ملف اليهود المغاربة: وهل هي استفادة تبرر انتهاج هذا الأسلوب، هذا إذا سلمنا جدلا بصحة هذه الرؤية البراغماتية !
- تسليط الضوء على إشكالية، أو بالأحرى، أطروحة برزت باحتشام في النصف الثاني لعقد الستينات، وتقوم على أن استعادة الدولة العربية لليهود المهاجرين منها نحو الكيان الصهيوني هو مقدمة نحو حل جزء كبير من القضية الفلسطينية، وهي أطروحة ما زالت تتردد لغاية اللحظة، وذلك بغية بحث مدى واقعية هذا الطرح.
- ثم ثالثا الإسهام في النقاش الدائر حول الأبعاد المستجدة والراهنة للصراع مع الصهيونية العالمية واستيعاب التحولات الجارية على هذا الصعيد.
للوهلة الأولى يتصدر مساري التسوية والتطبيع المسارات المحتملة لمستقبل العلاقات المغربية – الصهيونية، وهو ما يجعلنا نخصصه بالأولوية في البحث على أساس أن نبحث في مرحلة ثانية مسارات أخرى.
1- مسار تفعيل مسلسل التسوية:
يتساءل كثيرون عن مدى إمكانية انطلاق مسار التسوية من جديد خصوصا في ظل المواقف واللاءات التي عبر عنها إيهود بارك بعد نجاحه، التي جعلت منه يمينيا يقود معسكر اليسار كما ذلك الكاتب المصري فهمي هويدي.
وقبل الإجابة عن هذه الإشكالية، نستعرض فقرات من البرنامج السياسي لتحالف "إسرائيل واحدة" الذي قاده باراك وذلك بخصوص القضايا المفصلية المرتبطة بموضوعنا وقد وردت في مقال لفليت يميني بيديعوت أحرنوت "7/5/99".
- القدس الكاملة هي عاصمة دولة إسرائيل الأبدية ولن نتنازل أو نتراجع عن هذا المبدأ.
- إننا ضد الإعلان عن الاستقلال من طرف واحد والعملية السياسية وحدها والتي تتم من خلال الحوار والاتفاق، ستفضي في آخر المطاف إلى السلام الحقيقي.
- لن نعود بأي حال من الأحوال إلى حدود حزيران 1967 وفي كل تسوية ستتوصل إليها سيبقى أغلبية المستوطنين في تجمعات استيطانية موجودة على أراضي خاضعة لنا.
لم نتطرق للمواقف الخاصة بمسار التسوية مع كل من سوريا ولبنان، وذلك باعتبار ضعف قدرات المغرب للتأثير على هذا الصعيد، بل اقتصرنا على المواقف الخاصة بالمسار الفلسطيني، الذي سبق للمغرب أن لعب أدوارا مقدرة في رعايته وتوجيهه. إن هذه المواقف لم تكن خافية على أحد عندما انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العالمي لليهود المغاربة، ورغم كونها كانت معروفة تمت الدعوة من طرف الحكم المغربي للتصويت على السلام، غير أن هذا يعني أن هناك تفهما لها أو على الأقل قبولا بالتفاوض في ظلها لا سيما وأن سلطة الحكم الذاتي بالضفة الغربية وقطاع غزة، لا ترى أي بديل عن التفاوض والتفاهم مع باراك، أي أنها أمام أمر واقع استدرجت فيه إلى النهاية، والدور المنتظر للمغرب على هذا الصعيد هو التغطية على هذا الاستدراج ورعايته بل وحتى دعمه.
عندما نخلص هذا الموقف، فإننا نقارنه مع الدور الذي تقوم به "لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية – الأمريكية" "إيباك" والتي تمتلك تأثيرا هاما في الحياة السياسية الأمريكية، توظفه في خدمة المصالح الاستراتيجية للكيان الصهيوني، ومحل المقارنة هو أن "إيباك" ليست على وفاق دائم مع الحكومة الصهيونية، وقد احتدت خلافاتها في مرحلتي رابين ونتياهو، وهو ما أعطى الانطباع بانها إطار مستقبل، إلا أنها في نهاية المطاف تبقى أداة إسرائيلية تشكل إحدى أعمدة الحركة الصهيونية العالمية "للتفاصيل، أنظر: ذ. نصير عاروري: إسرائيل ويهود الشتات". الولايات المتحدة "مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 38 ربيع 1999 ص43".
بكلمة، إننا نعتبر "الاتحاد العالمي لليهود المغاربة" وغيره من المؤسسات الشبيهة له هو بمثابة نسخة مغربية "لإيباك" مع شيء من التعديل حسب خصوصيات المغرب واليهود المغاربة، ولهذا لم نر في انتقادات قادة اليهود المغاربة لسياسات نتنياهو تعبيرا عن رفضهم للصهيونية بل العكس، نرى أنه اختلاف من داخل الدائرة بشبه الخلافات المشار إليها آنفا بين "إيباك" والحكومة العبرية. نعتقد أن المغرب، في المرحلة القادمة، سيراهن على استعادة بل وتقوية حضوره في الساحة العربية من خلال المساهمة في تأطير عملية إطلاق مسار التسوية الفلسطيني.
لماذا؟ لأن الديبلوماسية المغاربية تنتمي إلى المدرسة الواقعية في العمل الديبلوماسي، وكان هذا نهجها منذ بداية الستينات وإلى غاية اللحظة وقد عبر الحكم المغربي عن ذلك مرارا وتكرارا خصوصا فيما تعلق بالقضية الفلسطينية، كما أنه سبق لعبد الرحمن اليوسفي، أن صرح في إحدى افتتاحيات الاتحاد الاشتراكي "عدد 29 يناير 1996" ، وقبل أن يعين وزيرا أولا، أن "المغرب ملكا وحكومة وشعبا مجمع على التضامن مع الشعب الفلسطيني، وعمل ويعمل لإنجاح مسلسل السلام في الشرق الأوسط"، وأنه حسب دراسة حديثة فإن "مؤتمرات القمة العربية ودورات المجلس الوطني الفلسطيني التي ساهمت إيجابيا في مسلسل السلام هي التي انعقدت في المحيط المغاربي".
وإذا أضفنا لذلك المواقف التي عبر عنها من طرف الحكم طيلة السنتين الماضيتين، والتي جعلته يستدرج إلى ما يشبه توقيع شيك على بياض لصالح حزب العمل الصهيوني، فإن نجاح هذا الأخير سيجعل المغرب على المحك لإثبات صدقية مواقفه، ونذكر هنا فقط كنموذج لهذه المواقف، عملية التلجيم التي تمت لأشغال لجنة القدس في ربيع 1997 ثم ربيع 1998 تحت مبرر إعطاء الفرصة الأخيرة.
2- إطلاق مسلسل التطبيع:
هو المسار الثاني، الذي ينتظر أن يشهد وثيرة متسارعة لاستدراك ما فات والتعويض عن ما تأخر إنجازه. والملفات المطروحة على هذا الصعيد متعددة، ومن الأفضل أن نقدم جردا أوليا لما شهدته مرحلة نتنياهو من عمليات تطبيع حتى نتصور حجم ما ينتظر المغرب من سيل تطبيعي في عهد باراك.
في المرحلة السابقة عمل المغرب على تجميد المستوى الديبلوماسي في العلاقات مع الدولة العبرية، وقد وجهت تعليمات صارمة لمختلف التمثيليات الديبلوماسية المغربية في الخارج لاحترام هذا القرار، ولعل من أبرز هذه المواقف، نجد رفض العاهل المغربي في أواخر فبراير 1998 لاستقبال نتنياهو رغم أن هذا الاستقبال توسط فيه رافي إدري مهندس الإتصالات المغربية – الصهيونية، كما نجد رفض المغرب لمشاركة عدائين من الكيان الصهيوني في بطولة العالم للعدو الريفي بمراكش 21/03/1998، رغم أنها فسرت بحصول خطأ تمثل في أن طلب التأشيرة كان من قنصلية المغرب في باريس بفرنسا وليس من قنصلية المغرب في تل أبيب أو قطاع غزة. ونجد أيضا الاحتكاكات التي وقعت بين الوفود المغربية والوفود الصهيونية في عدد من الملتقيات، كالدورة الثانية والأربعون للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا والذي انعقد أواخر شتنبر 1998.
إلا أنه رغم هذه المواقف، والتي لا يسع المرء إلا أن يقدرها، كانت هناك انزلاقات فظيعة جعلت الموقف الديبلوماسي الرسمي في واد والموقف العملي الميداني في واد آخر. فاقتصاديا استمرت الغرفة التجارية "إسرائيل – المغرب" التي يرأسها شاوول بنسمحون في النشاط بفعالية وهمة في تنسيق مع باقي الغرب بالمغرب كالغرفة التجارية البريطانية المغربية، كما أن عددا من السفراء المغاربة حافظا على علاقاتهم مع سفراء الكيان الصهيوني ويقف على رأسهم سفير المغرب بفرنسا الذي نقلت جريدة ماروك إيبدو المغربية خبر عشاءه مع السفير الإسرائيلي بفرنسا أواخر صيف 1998.
كما أن حفل توديع رئيس مكتب الاتصال الصهيوني السابق دافيد دانون المغربي في مارس 1998 شهدت حضور شخصيات مغربية وازنة منهم من يتحمل مسؤوليات في الحكومة المغربية الحالية، أما رئيس مكتب الاتصال غادي غولان، فقد سبق له أن كان سفيرا للكيان الصهيوني في نيجيريا ونجح في تنظيم حفل بمناسبة الذكرى الخمسون لنشأة الكيان الصهيوني وذلك أواخر أبريل 1998 ونفس الشيء حصل هذه السنة، وحضرته شخصيات مغربية تحتل مواقع متميزة في الإدارة المغربية.
مرجع المقال: جريدة العصر 62، 14 يونيو 1999.

إرسال تعليق