U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

كيف استقبلت تلاميذي يوم الدخول المدرسي؟

 





بقلم: مصطفى بوكرن


لا أحب نشر الصور، لأنها خدَّاعة، تحكي لحظة جامدة، لا حياة فيها. الصورة ليست معيارا، للحكم على حدث ما، لأنها تحكي وجهة نظر المصور حيث يوجد. لو كان ابن بطوطة مصورا، لما عرفنا الكثير من أسرار الشعوب.


في هذا اليوم العظيم، استيقظت قبل آذان الفجر بساعة، اغتسلت، وارتديت قميصي الأبيض، وبسطت سجادتي، واتجهت إلى القبلة، وشرعت في قيام الليل. قرأت ما تيسر من الذكر الحكيم، لم أطل في القراءة، لكنني كنت أطيل في الدعاء. أدعو الله أن يحفظ نساء التعليم ورجاله من الوباء، وأن يحقق الله تعالى على أيديهم الهداية التربوية والعلمية.


يشبه الدخول المدرسي عيدي الفطر والأضحى. وهو بالنسبة لي العيد الثالث. أتمثل كل طقوس العيد الديني المعروفة عند الناس.


لأول مرة ساحكي هذا السر. زوجتي تعد أطباقا خاصة لهذه المناسبة، لأن الدخول المدرسي حدث عظيم، وهو في العمق، يحقق مراد الله في الخلق، امتثالا لقوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)".


تجتهد زوجتي في تحبيب هذا اليوم لأطفالنا بكل ما أوتيت من إبداع. عند آذان الفجر أوقظ كل أفراد الأسرة. يتوضأون، ونصلي جميعا، ونرفع دعاء التوفيق في مسارنا العلمي والتعليمي. نجلس لتناول أشهى الأطباق، ثم يختار كل واحد منا أجمل جمل الثياب.



ذهبت باكرا إلى مدرستي الجميلة. أحب البكور في العمل، لأنني أريد أكون مطمئنا عند استقبال التلاميذ..الأطر التربوية والإدارية في الموعد، ينتظرون بشوق قدوم التلاميذ، وكل الإجراءات، قد أعدت على أحسن أوجه.


كانت لحظة رائعة، وانا أرى عيون أطفالي التلاميذ التواقة لغد أفضل. استقبلت عشرة تلاميذ في القسم. القسم أشبه بجنة، لأن بعض الأطر الإدارية والتربوية، تطوعوا في إعادة صباغة المؤسسة، وتزيين الأقسام، وتنظيفها.


كانت لحظة رائعة، وانا أرى عيون أطفالي التلاميذ التواقة لغد أفضل.


نساء ورجال مؤسساتنا الابتدائية، لا يطلبون من الوزارة مساعدة، فمن شدة حب هؤلاء لها يسهمون بالغالي والنفيس لتطوير والرقي بها، عبر شركات مع مؤسسات المجتمع المدني والمحسنين.


في مؤسستنا عقيدة راسخة: هذه الأقسام والمرافق الصحية هي ملك لنا لا للوزارة، لا نطالب أحدا بتنظيفها والسهر عليها لأنها ملك لنا. نقوم بواجبنا ولا ننتظر حقا من احد. غرسنا في قلوبنا الإيجابية وثقافة الواجب، فأصبح كل فرد من المؤسسة عضوا في أسرة كبيرة. ولذلك، تنتهي السنة الدراسية بالبكاء بين الأساتذة والتلاميذ.



نحن في مؤسستنا، رجل التعليم له وظائف متعددة، لأنه يعتبر نفسه رجل إصلاح، لا رجل بحث عن أجر شهري. هذه الثقافة هي التي حافظت على تفوقنا، فبادرنا جميعا لتطوير مؤسستنا. وقت الأزمات يمكن أن تمارس جميع الوظائف. ولذلك، مؤسستنا ابتكرت إذاعة داخلية، يتناوب عليها مجموعة من الأستاذة، للترفيه على التلاميذ زمن الاستراحة.


هل الصورة يمكن ان تنقل هذا؟ لكم الإجابة. نحن في مؤسستنا لا نؤمن بالصور لتحكي عملنا، بل الذي سيحكي مجهوداتنا هو ما غرسناه في ذلك الطفل، فأصبحا مواطنا صالحا مصلحا. نحن لا ننشر صورة، بل نخرج إنسانا.


رأيت الفرح في عيون التلاميذ، وقلت لهم بعض الكلمات، أختصرها في ما يلي: أبنائي التلاميذ، نحمد الله تعالى على هذا اللقاء الطيب المبارك. أنتن نساء الغد وأنتم رجال الغد، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم. أحلم أن أرى منكم عالما من علماء العالم، ينفع البشرية جمعا. ها أنتم ترون، أن لا حديث اليوم إلا حول العلم، فكونوا علماء الغد إن شاء، وسنضحي من أجلكم بكل ما أوتينا من قوة.


تعجز الصورة عن حكاية هذه اللحظة المؤثرة. ولذلك، لم نأخذ صورة لننشرها في الفيسبوك، لحصد آلاف الجيمات، أو ردا على من يريد الإساءة إلى مؤسساتنا ووزارتنا. نحن نعمل وحلمنا صناعة الإنسان، لا نشر صورة تروجها الوزارة في صفحتها.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة