مصطفى بوكرن
كشف الوزير الأسبق سعيد السعدي كواليس إعداد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، وقد أكد أن المستشارة الملكية زليخة نصري، في مارس 1999، اتصلت به، وقالت له: إن الملك الحسن الثاني يريد ورقة تقديمية للخطة. فأرسلها لها. وبعد مجيء محمد السادس، قال السعدي: كان هناك تحفظ من القصر على الخطة.
بعد مرور أكثر من 20 سنة على هذه الخطة التي أخرجت للشارع مسيرتين متناقضتين: مسيرة الإسلاميين في الدار البيضاء، ومسيرة الداعمين للخطة في الرباط، يوم 12 مارس 2000. يكشف سعيد السعدي القيادي السابق في حزب التقدم والاشتراكية، عن بعض الأسرار المهمة. ويتذكر السعدي أن في الورشة الرابعة المرتبطة بالتمكين السياسي والقانوني، كان ممثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حاضرا، وقال بالحرف، كما يروي السعدي: "نحن متفقون من حيث المبدأ مع ما جاء به مشروع الخطة". وقد انطلق السعدي في هذه الورشات، بعد أن أصبح وزيرا مكلفا بقطاع الرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة سنة سنة 1997.
ومن المفارقات التي حكاها السعدي في حواره مع مجلة زمان المتخصصة في التاريخ، أنه كان يعد الخطة دون أن يفكر في التمويل، واعتبر ذلك، من النقد الذاتي، حيث قال أن الخطة طموحة في محاربة الأمية، وتم تحديد: تعليم 5 ملايين امرأة في ظرف خمس سنوات، ويعلق السعدي قائلا: "لكن أين هي الإمكانات؟".
وأكد السعدي لمحاورته الصحفية سارة صبري، أنه لم يكن يتوقع نهائيا، ردة فعل الإسلاميين بهاته الحدة، وحكى أنه تم اتهامه بأخذ أموال خيالية من البنك الدولي، وأنه عميل للصهيونية، ونعتوا زوجته بـ "اليهودية". وكشف عن سر، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري، كتب تقريرا، وبعثه لليوسفي يوضح أن معدي الخطة عملاء للغرب وما اقترحوه مخالف للشريعة. وحكى السعدي أن وزير الأوقاف قام بعركة شرسة ضد الخطة، وكان يشكل حزبا لوحده.
وروى السعدي، أنه كانت تصله مكالمات هاتفية على الساعة الخامسة صباحا، تهدده وتهاجمه وتسبه، فاخبر المسؤولين بذلك، لأخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة.
ومن المفارقات التي حكاها السعدي، أن حزب الاستقلال كان يدعم الخطة، لكن بعد ردة فعل الإسلاميين الحادة، أصبح حزب الاستقلال ضدها. وطالب حزب الاستقلال أن يقدم الوزير استقالته كما يؤكد السعدي. ومن الأمور المثيرة، أن السعدي، غادر الوزارة بعد التعديل الحكومي، فقال له عباس الفاسي : "طبعتي هاد الوزارة بعملك". فاستغرب السعدي ما قاله عباس، وابتسم، وعلق قائلا: "ما فهمت والو أنا".
وبعد هذه السنوات، أكد السعدي، أن اللجنة التي ترأسها بوستة، تبنت 70 في المائة، مما اقترحته الخطة، وزاد على ذلك، وضع الأسرة تحت المسؤولية المشتركة بين الجنسين.
يذكر أن الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ترجع فكرتها إلى مؤتمر بيجين الذي انعقد سنة 1995، حيث حضر المغرب، وصادق كباقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الخطة. تم إعداد الخطة لتنزيلها في الواقع، وعرضها الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي يوم 19 مارس 1999، بفندق هيلتون بالرباط. أججت الخطة المعارضة، وانتقلت المعركة إلى الشارع في مارس 2000. قام اليوسفي بإنشاء لجنة لاحتواء الصراع في يونيو 2000، لكن الخطيب أمين عام العدالة والتنمية أفشلها. ثم جاءت المبادرة الملكية بإنشاء لجنة جديدة برئاسة إدريس الضحاك، والتي اجتمعت 2001، وقدمت تقريرها في 2003، وكانت هناك عراقيل تواجه الضحاك، فازاحه الملك، وعين امحمد بوستة، إلى أن صدرت كقانون من البرلمان سنة 2004.
تجدر الإشارة إلى أن حوار سعيد السعدي، أحد مواضيع العدد الجديد لمجلة زمان، العدد:108، أكتوبر 2022.
إرسال تعليق