U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

الكاتب الساخر المصري أحمد رجب يكتب: ما معنى الحب؟

 



بقلم: أحمد رجب


برغم كل ما قيل في الحب، فلا تزال دنياه جميلة ومثيرة، يلفها سحر السر وغموضه، وسوف يستمر الإنسان - من الأزل إلى الأبد- يحاول اكتشاف الحب.


ما هو الحب؟


لا أحد يستطيع أن يزعم أنه حدد معنى أو تعريفا لهذا المرض الوراثي الجميل، يقول أمير الشعراء:


وما الحب إلا طاعة وتجاوز

                      وإن اكثروا أوصافه والمعانيا

وما هو إلا العين بالعين تتلتقي

                     وإن نوعوا أسبابه والدواعيا

ثم ينتهي أحمد شوقي إلى قوله:

وعندي الهوى موصوفه لا صفاته

                   إذا سألوني ما الهوى قلت ما بيا


والحب جميل لأنه ابن الجمال، ففي الأساطير اليونانية أن كيوبيد هو الابن الوحيد لفينوس من جوبيتر، ولأن الحب جميل فهو يجعل ما يتصل به: يجمل وجه المحبوب مهما صدقت فيه نظرية دارون، ويحمل عيوب من نحب، ويزوق سخافاته، وتختلط فيه الأكاذيب بالأحلام، فلا يعرف الإنسان أين أكاذيبه من أحلامه.


والحب هو القدرة على الضعف مهما كنت قويا وجبارا، وأن تستعذب الاستسلام وأن تشعر ببهجة شديدة لذلك، بينما كل من حولك يضربكفا بكف قائلا: لا حول ولا قوة إلا بالله.


والحب هو الرغبة في إسعاد إنسان آخر بالعطاء بلا مقابل، ولهذا وجد الحب من طرف واحد، ولهذا أيضا لا يعرف الإنسان لماذا يحب إنسانا بالذات، فهو أن وجد لحبه سببا أو آخر، فهو ليس حبا بل مصلحة، وفي ذلك قيل -مثلا-: إن المرأة ومالها سرعان ما يجدان زوجا.


والحب مرض ورائي، فيه أوجه شبه كثيرة من الأمراض التي تصيب الإنسان، ففيه من أمراض القلب سرعة النبض والخفقان، وفيه من امراض العقل عجز المريض عن التكيف والتقدير السليم للواقع الخارجي، وفيه من الملانكوليا أو الاكتئاب والأرق وفقدان الشهية، وفيه من السعال أن العاشق لا يستطيع كتمانه، وفيه من مرض فقدان الذاكرة أن الإنسان يصحو ذات صباح فلا يذكر ولا يدري كيف ومتى ولماذا تزوج؟


والحب حركة وحياء، لأن كل طرف يجري وراء الآخر، فإذا تم الزواج جرى كل منهما أمام الآخر من باب الفرار.


ونحن نقول فلان وقع في الحب، والوقوع في الحب تعبير مترجم ومنقول عن الأوربيين، فليس عند العرب مثل هذا التعبير، إنما كانوا يعبرون عن حدوث الحب بالقتل، فإن أحبها فهي قتلته، والشاعر يقول: قتلننا ثم لم يحيين قتلانا، وهند تقول لعمر بن ربيعة: ما لمقتول قتلناه قود - أي ثأر- وفاتنة أبو فراس الحمداني تسأله: من أنت فيرد: قتيلك.


ورغم شيوع تعبير وقوع الرجل في الحب، فلا يزال قتل المرأة للرجل قائما أيضا، ولا داعي للحديث عن الأكياس، والحب ضرورة للزواج، فهو الطريق إلى النهاية وخاتمة المغامرة المجنونة، وأجمل ما في الحب جنونه، وفي الأساطير الإغريقية أن إله الجنون أشفق على كيوبيد إله الحب عندما رآه معصوب العينين فتقد نحوه يقوده من يده وهكذا أصبح الحب: أعمى يقوده مجنون.


والحب هو الأكذوبة الوحيدة الرائعة التي تصدقها رغم تكرار انكشافها، وهو أكذوبة تستغرق عادة مداها الزمني دون أن يستطيع أحد انتزاعك منها بمحاضرة أو نصيحة. فالإنسان لا يستطيع أن يتخلص من نار الحب إلا بالطريق الطبيعي وهو الزواج من المحبوب.


فالنصائح لا تجدي مع العشاق، وقديما قالت العرب: ليس في الحب مشورة، فالعاشق يسألك الرأي متمنيا في سريرته أن تجاري رأيه الذي سوف ينفذه في النهاية، ورأيه هو عواطفه، فلا مكان للعقل عند العشاق، فلو أنه مثلا لمحها مصادفة بجوار رجل آخر في سيارة مرقت أمامه ثم أنكرت هي التهمة، فإن الموقف سوف ينتهي بأن يصدقها ويكذب نظارته التي ينبغي تغييرها أو أن يقول: سبحان الله يخلق من الشبه أربعين - إنت أجمل واحدة في الأربعين.


ونابليون لم يحب امرأة مثلما أحب جوزيفين التي كانت تخونه كما تتنفس، وكان يصدق أكاذيبها لأنه يريد أن يصدقها، فكل طرف يصدق الآخر بقدر ما يحبه، وإذا كان رصيد الحب عنده ضخما تلقى الكذبة - مهما كانت مفضوحة- بالرضا والقبول، لكنه يرفض الكذبة المتقنة إذا كان رصيد الحب لا يسمح.


نص مقتبس من كتاب: ضربة قلب، للكاتب المصري الساحر أحمد رجب رحمه الله، ص:6.



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة