U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

في معرض الفرس بالجديدة... أحذرك من شراء قنينة ماء!

 




بقلم: مصطفى بوكرن


بدأ ابني يبكي دون دموع. بابا أريد ماء.


انطلقت في البحث عن مكان بيع المشروبات والمأكولات. وصلنا إلى فضاء كبير، كتب عليه: مطاعم.





اتجهتُ إلى شخص لا هو بالقصير ولا بالطويل، أبيض البشرة، يعلو محياه شنب خفيف، طلبت منه قنينة ماء، ووضعت في يده 10 دراهم، أنتظر أن يرجع إلي ما بقي من الصرف، فقال لي مبتسما: زيد جوج دراهم.



فتحت فاي مستغربا، وكدت أسقط مغشيا علي أرضا. أصر على الدرهمين.


أكرر في نفسي: نصف لتر ماء ب 12 درهم، غير معقول، هل هذا متجر تجاري أم متجر شجع؟ أرى ابني قد صمت بكاؤه، وهو لا يعرف ما يدور بيني وبين البائع.


قررتُ الدخول في معركة مصيرية. أنا بين مطرقة عطش ابني وسندنان المتجر الفاحش، لم أستسلم لهما. بدأت أفكر في طريقة لإرواء عطش ابني.


تحالفتُ مع زوجتي لمواجهة هذا الجشع، وتحايلتُ على طفلنا بمده بموزة، التهمها فورا. لكنه لم ينس عطشه.


انطلقت متجولا في المعرض وفي الآن نفسه أبحث عن الماء، لكن لن أشتريها ب 12 درهما، لا لأنني لا أملك هذا المبلغ، بل لأنني أريد إبلاغ رسالة لتاجر المطعم الجشع، أن المغربي، له من الشجاعة أن يقاطع الماء الذي هو الأساس الحياة، على أن يخضع لتاجر ملهوط، يتاجر في الحاجيات الأساسية للمغاربة.


ذهبت إلى القاعة المخصصة لعرض ملابس خيالة القصر الملكي، عبر التاريخ. ألتقط صور السروج، وأحذية الفرسان، وملابسهم. وصور السيوف.





ثم اتجهت إلى خيالة الأمن الوطني، ألتقط صور ملابسهم. وأتابع حضور أطفال المؤسسات التعليمية وهم يتلقون شروحات رجل أمن، يحكي تاريخ ملابس الأمن الوطني.



كانت هناك حلبة جميلة تستقبلك عند دخولك إلى معرض ملابس الخيالة والسروج والأحذية والملابس، ورؤية جناح الإمارات الكبير، والاستمتاح بجناح سروج الجهات: فاس، وجدة، سلا..





الأطفال يجلسون في المدرجات، ورجل خمسيني يرتدي سروال جينز وقميصا أبيض، يتحدث وسط الحلبة باللغة العربية والفرنسية، يصف ركوب بعض الأطفال على الخيل، ويقدم لهم شروحات، مع بعض الموسيقى.


طفلي الصغير، لم ينس مطلبه، كما لو أنه أستاذ متعاقد يرفض النسيان. بابا أنا عطشان. يبكي دون دموع. ما أقسى اللحظات، حين تكون تريد الاستمتاع، وابنك، يغني أغنيته الحزينة، ولا يمكن لك، أن تصرخ في وجهه، ولا أن تضربه ليصمت كل ما عليك فعله أن تتحايل عليه.


أعرف أن ابني يعشق "النفاخات"، قلت له: تريد نفاخة، فأجأب مبتهجا: اه بابا، نفاخة. أناور طفلي، أريد أن أنسيه مطلبه الأصلي، كما تفعل الوزارة مع الأساتذة المتعاقدين. وجدت نفسي في ورطة، من أين سأشتري له النفاخة، بدأ ابني يبكي بدون دموع، يحتج، ولا يريد التنازل عن مطلبه الثاني، ونسي مؤقتا مطلبه الأصلي.


ذهبنا إلى مكان مخصص للعب الأطفال، رأينا النفاخات، لكنها ليست للبيع، بل للزينة فقط، ومع ذلك طلبت من شاب قوي مفتول العضلات يقف أمام باب قاعة الأطفال، أن يسحب نفاخة ملتصقة، فرفض. ازداد احتجاج ابني.


بدأنا أنا وأمه نفكر في حيلة لننسيه مطلبيه المصيريين: الماء، والنفاخة. فكرنا في لعبة الركوب على السيارة الكهربائية، تسرع بقوة في مكانها دون أن تتحرك. يحب ابني كثيرا السيارات. ويمكن أن أكتب عشرين قصة، حول علاقته بالسيارات، وكل قصة لا تشبه الأخرى. أتذكر يوم رأى سيارة صغيرة في مدينة إفران، فأصر على أن نشتريها له، وبعد أن تمت صفقة البيع والشراء، ألزمنا بالجلوس مع على الطوار ليلعب بها، في الشارع العام. وكلما قررنا الذهاب، يستعمل سلاحه القاتل، الصراخ دون دموع. فعل ذلك، فأفقد أمي صبرها. وكادت أن تقرصه من تحت إبطه كما كانت تفعل معنا حين كنا صغارا.





ركب السيارة، وكان مستمتعا، وأفكر في الماء والنفاخة. حضور الأطفال في هذه المناسبات، لا يساعدك على المتعة، كل ما عليك أن تفعله أن تكون خادما لهم، فتتذكر أيام العزوبية، حين كنت حرا، تفعل ما تشاء في المعرض، فتحن إلى تلك الأيام الخوالي، التي لن تعود أبدا.


نزل ابني من السيارة، فأول ما تذكره الماء، فبدأ يبكي دون دموع، لا يريد نسيان مطلبه المركزي، هكذا شأن المناضلين الأشداء، لا تلهيهم أنصاف الحلول. فجأة، رأيت شخصا، يأتيني بنفاخة، وكأنه هدية نزلت من السماء، ربما رآني، حين توسلت إلى ذلك الشاب المفتول العضلات.


رأيت ابني وقد استعاد ابتسامته التي غارت كما يغور الماء في زمن الجفاف. بدأ يضحك، وينتظر متى سأنفخ له تلك الجلدة البلاستيكية الرقيقة. نفختها، وسلمتها له. كاد يطير فرحا، وبدأ يلعب بها.


وجدنها فرصة، للذهاب إلى حلبة التبوريدة. بدأنا نسمع من بعيد موسيقى لجوق متخصص. كانت كتيبة موسيقيين، يمتعون زوار المعرض بوصلات غنائية جميلة. عزفوا أغاني مغربية مشهورة، كل أغنية تمثل منطقة من مناطق المغرب، غنوا: دور بيها وياشيبني ودور بيها، صوت الحسن...




ابني، يرمي النفاخة بعيدا، وبدأ يملُّ منها، فتذكر الماء، ويقول: بابا أنا أعطشان. كنت أشفق لحال ابني، وبدأت أعاتب نفسي، لماذا هذا التعنت من طرفي، أشتري القنينة، ولو أن تكون ب 20 درهما من أجل ابني. وأحتج بعد ذلك.


زاد بكاء ابني، وبدأ يذرف دموعه، رحنا نبحث عن الماء، وبدأنا نسأل عن متجر لبيع المشروبات. وصلت إلى متجر يضع قنينات كثيرة.


كدت أن أستسلم، فتذكرت محمد علي كلاي الذي يفوز بالضربة القاضية ثم يسقط منتصرا. وقفت أمام شاب يحمل سيجارة، وذقنه مطرز بلحية كثيفة، سألته عن ثمن القنينة، فأجابني بخجل: 5 دراهم. لم أصدق، سألته مرة أخرى: 5 دراهم. أخذتها بسرعة، واعطيته الخمسة دراهم لكي لا يتراجع، ويتذكر 12 درهما.

تخيلت نفسي أرفع يدي إلى السماء، وكأنني حقا أسطورة الملاكمة.

القنينة تباع في دكاكين أحيائنا بثلاثة دراهم، البائع الجشع يريد سرقة تسعة دراهم مني.

أخذ ابني القنينة، وعبها عبا، كأنني أنقذت أرض المغرب القاحلة بعد سنوات من الجفاف. عادت الحياة إلى ابني.

وانتصرنا على أخنوش الجشع... عفوا عفوا، لا تفهموني خطأ على البائع الجشع في معرض الفرس.


إذا ذهبتَ إلى المعرض أحذرك أن تشتري المأكولات والمشروبات منه...

إلا إذا كان جيبك منتفخا، أو معك صديقتك تريد أن تتظاهر أمامها أنك لا تلقي بالا للأموال، فتعود مساء، ليعتصرك الألم.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة