U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

عزمي بشارة يكتب: ما معنى التحديث؟

 




بقلم: مصطفى بوكرن 


تعتبر دراسات الانتقال من النظام السلطوي إلى الديمقراطية عموما نقدا جدليا لنظريات التحديث، ولا سيما تحديد الأخيرة شروطا بنيوية للديمقراطية. وخلافا لما هو رائج، لا تشتق هذه الشروط من تاريخ الديمقراطية في الغرب، بل من ظروف ديمومتها والحفاظ عليها. وتقوم على التمييز بين المجتمع التقليدي والحديث، الذي غالبا ما ينسب ذلك التمييز إلى علم السياسة الأمريكي. مع أنه في الحقيقة يقوم على علم الاجتماع عموما كارل ماركس وإميل دوركهايم وماكس فيبر وفرديناند تونيز وجورج زميل. فعلم الاجتماع نشأ عموما في سياق تفسير الانتقال الأوروبي إلى الحداثة وشروطه الاجتماعية والثقافية (1) والاقتصادية وآثاره في المجتمع والدولة. لذا، فإن علم الاجتماع الكلاسيكي برمته هو نظريات في التحديث والحداثة.


التحديث مصطلح شامل غير معياري، دلالته الانتقال من اقتصاد الكفاية إلى الاقتصاد التبادلي السلعي، ومن السعي لسد الحاجات الأساسية، إلى تثوير الحاجات المادية والمعنوية، وزيادتها وتنويعها باستمرار، وتشمل دلالاته أيضا الثورة العلمية والتصنيع والثورة الإدارية، وإعلاء مكانة العقل واعتباره معيار الحكم في مجالات متزايدة، وانتشار التعليم، كما تمتد إلى نشوء الدولة الوطنية وأجهزتها المؤسسية التي لا تقوم بيروقراطيتها على امتيازات موروثة، الانتقال مع العائلة الممتدة إلى العائلة النواة، والتحولات الثقافية المؤدية إلى إعلاء أهمية النجاح والإنجاز والنجاعة، والتغيرات في مفهوم الفرد والهوية بتصور أطر انتماء غير محلية وجوانب كثيرة أخرى.


فالتحديث أشمل من مصطلحات مثل التصنيع والعلمنة والبرقرطة والعقلنة، فهي جميعها عناصر متفاعلة يمكن فصل بعضها عن بعض نظريا، لكن يصعب فصلها تاريخيا وفي الواقع. ومع أن التحديث مصطلح غير معياري، فإن اعتبار جميع جوانب الصيرورة المذكورة "تقدما" قياسا على المجتمع التقليدي ينم غالبا عن حكم معياري؛ فالتقدم يستدعي التخلف مصطلحا مقابلا له. وغالبا ما يتهم التحديثيون بإهمال جوانب مثل تذرر الفرد، والاغتراب، والأزمات والأعراض والأمراض النفسية التي ترافق الحداثة، وشمولية سلطة الدولة وقدراتها القمعية غير المسبوقة، والهندسة الاجتماعية، والتعامل مع العلم والمعرفة بوصفهما أداتين، ليس لـ "السيطرة" على الطبيعة فحسب، بل للتحكم في البشر، وتلوث البيئة، وفرض التحديث بالقسر بواسطة الدولة أيضا. لكن هذه الجوانب عالجها حتى سوسيولوجيون تحديثيون كلاسيكيون، أمثال ماركس وفيبر ودروكهايم. وهذا لم يمنع معالجتها بوصفها مكونا من كونات الحداثة عموما، وليس بوصفها الجوانب "المظلمة" فحسب من التحديث (2).


1- ص:35

2- ص:36

النص مقتبس من كتاب: الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة، عزمي بشارة، الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأول، يوليو 2020.




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة