بقلم: مصطفى لختاصير.
يعتبر الملك الراحل الحسن الثاني مؤصل البروتوكول الملكي، وواضع نظامه الصارم. حيث اعتنى بالتفاصيل الكبيرة والصغيرة، والجزئيات الدقيقة التي اختزنتها ثقافة القصور السلطانية، وحمولتها الشعبية المستمدة من التقاليد المتنوعة للمغاربة، ولعل أهم طقس "بروتوكولي" أصل له الحسن الثاني، لارتباطه بالذوق والإحساس المرهف، وجلب السعادة، ودرء العين والحسد، وطرد الأرواح الشريرة التي لا تجد مع الطيب مكانا، هو طقس البخور.
وحسب مصدر مقرب، فإن الملك حريص على أن تعم روائح العود الزكية جميع مرافق قصوره، وخصص لهذا الغرض فرقة خاصة أسماها "عبيد العافية" الذين كانوا يقدمون الولاء ويشرفون على المباخر العظيمة المصنوعة من الفضة الخالصة.
وأكد المصدر أن تلك المباخر كانت تصنع على يد صناع مهرة، خاصة من مدينة فاس القديمة، وتحمل طابع "معلمين" اشتهروا بتزويدهم القصور بالأواني الفضية والنحاسية. حيث تميزت أواني البخور بحجمها الكبير ونقشها المغربي الأصيل وحملها على صواني فضية وتوضع في المرافق التي يرتادها الملك داخل القصور، وفي دار الضيافة. ويسهر على وضع الفحم وإحراق البخور عناصر يتم اختيارها من بين فرقة "عبيد العافية" يحرصون على إطلاق أطيب وأغلى وأجود أنواع البخور الشرقية، المستوردة من الهند ومصر وأندونسيا والفلبين والصين والسودان وغيرها. وتحرق البخور بشكل يومي في أركان القصر الملكي، وتترك رائحة مميزة تجلب كل من يخترق مجالها. وبالإضافة إلى رائحتها الزكية، ساد اعتقاد خاطئ لدى البعض، نابع من توجسه من أعمال السحر والشعوذة والأعمال الشيطانية الشرانية، التي قد يسول لأحدهم ارتكابها. ولعل انتشار هذه الاعتقادات، نابع مما تتمتع به الحسن الثاني من "الهيبة" التي قيل حولها كلام كثير غارق في الشعبوية، ومن قبيل تمتعه بواقي "التباريد" التي وصفها المنقب أبو بكر المغربي لـ "المشعل" بأنها عبارة عن حبوب صغيرة دائرية مثل الرمل، تستخرج من "الدفائن" أي الكنوز المدفونة تحت الأرض، ويجري الاعتقاد أن تلك الحبوب يصاحبها قرين، يقوم بحماية حاملها بعد إخضاعها لعملية التعزيم..
ويضيف المصدر أن خدام البخور من عبيد العافية في قصور الحسن الثاني، كانوا يحرصون على تبخير القصر الملكي بالعود القمري والبخور الغالية الثمن، مع رش بعض الأركان بماء العود الدافئ المرقى لدفع الشرور، خاصة في الأماكن التي يعتقد أن الأرواح الشريرة تسكنها، مثل قصر أكادير الذي كانت تلجه أفواج من الفقهاء لقراءة القرآن يوميا، وإطلاق بخور الصندل الغالبية الثمن التي تترك رائحة طيبة.
بعيدا عن هذه الاعتقادات الخاطئة كان الملك يستخدم البخور بكثرة لإحياء المناسبات الدينية، مثل عاشوراء وليلة القدر، وفي ليلة شعبانة، وذكرة المولد النبوي، ومع مطلع كل سنة هجرية. وذكر مصدرنا أن المناسبات الخاصة تستخدم فيها أبخرة العود والصندل، أثناء استقبال شخصيات كبيرة أو افتتاح دورة البرلمان، وغيرها من المناسبات.
وبالتالي يكون الحسن الثاني هو مؤصل بروتوكول البخور وواضع أسسه وطقوسه في القصور والمناسبات.
مقال مقتبس من ملف "قصة الملوك مع البخور" أسبوعية المشعل، العدد:502. مارس 2016.
أبحث عن قرض فوري تطبيق
ردحذفتقدم بطلب للحصول على قرض نقدي عبر الإنترنت بأسعار فائدة منخفضة واحصل على موافقة فورية. اتصل بنا عبر البريد الإلكتروني:
contact@sunshinefinser.com أو
واتساب: +919233561861
شكرًا