U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

مولود السريري يكتب: هل أقوال العلماء حقائق دينية مطلقة؟

 



بقلم: مولود السريري


أجمع علماء الفقه على أن علم الفقه الاجتهادي ظني. وأنه لا مطمع في درك القطع فيه، فالرأي الفقهي الاجتهادي مبتناه الظن الغالب عند الفقيه القائل به. المدرك له من أدلته.


وبذلك فإن غيره قد يخالفه، فيأتي برأي مخالف له على السبيل نفسه - الظن الراجح- وقد يحصل ذلك من متعددين، وبهذا يتقرر أن الأحكام الفقهية نسبية من هذا الوجه إذ لكل مجتهد الحق في أن يقول بما يراه حقا، وقد يقع بذلك الاختلاف في الأحكام كما هو معلوم ومعروف، والواقع يشهد بذلك على قطع.


لكن هنا أمران مهمان يجب أن يعلما لفهم هذا الموضوع:


1- أن دائرة العمل الاجتهادي مضبوطة مسيجة بقواعد وأصول، يجب التزام حدودها، ويمنع تعديها، وهي مبنية في كتب أصول الفقه، والقواعد الفقهية؛ وبذلك فالاختلاف لا يقع إلا بسببين:


أ- أن تكون الجزئية -الفرع الفقهي- يتنازعها دليلان أو أكثر باعتبار ما قام بها من مناطين -علامتين- أو مناطات، فيقع تردد النظر فيها، لذلك يذهب كل فقيه إلى ما يراه أولى بالاعتبار في ذلك من غيره، فيؤدي ذلك إلى الخُلف في الأحكام.


ب- أن يكون الخلف وقع في الأصول، بحيث يأخذ فقيه ما بأصل، وغيره يخالفه في ذلك فيأخذ بغيره، والكل إسلامي صرف.


2- أن هذه الحقيقة النسبية - الحكم الفقهي- تصير حقيقة شرعية ثابتة، لأنه يلزم الفقيه المجتهد المدرك لها -بعد استفراغه جهده في دركها واستنباطها- أن يعمل بها، وهذا أمر واجب عليه، فإن تركه أثِم، ولا يجوز أن يقلده غيره في ذلك.


وبهذا صارت حقيقة هذا الحكم النسبية حقيقة موضوعية من حيث الحكم الشرعي عليها، وإيجابه العمل بها عليه بعينها. ومن ثم فالفقيه لا يلتفت في مجاري بنائه للأحكام الفقهية لهذا القدح بدعوى النسبية، لعدم وروده في عمله هذا كما ترى، إذ يصير كل حكم فقهي أدركه بالاجتهاد الشرعي حقيقة شرعية في حقه كما تقدم ذكره.


وإنما يتقرر هذا الأمر - العمل بالظن الراجح- في هذا العلم الإسلامي منه هو العمل، وإبراء الذمة، ثم إن الإنسان قصارى ما يتأتى له في هذا الشأن هو هذا الظن، والله لا يكلف عباده إلا وسعهم، وعلى هذا تقرر أن كل مجتهد مصيب.


إلا أنه لا يحق لأي مجتهد أن يدعي أن ما أدركه من حكم هو الحق، وبذلك يُلزِم به الناس، فيصدهم عن قول غيره من أرباب الاجتهاد الآخرين، لتساوي قوله وقولهم بهذه الحقيقة.


والذين يصيرون أقوال الأئمة والعلماء حقائق دينية مطلقة ليسوا إلا جهالا وظلمة، وقد كثروا في هذا الزمان، وهم ما فتئوا مشتتين لأهل الإسلام ومفرقين لما بقي من شملهم، قصارى أمرهم الصراخ الممزوج بالغرور والاستعلاء على الخلق بغير حق، سوى اعتقادهم أنهم مصطفون من جميع ما خلق الله تعالى.


ومتى كان الإسلام يبيح الكبر والعجب، والتعالي على الخلق كيفما كانوا؟ بل متى كان هذا الدين يجتمع التحلي به مع الاتصاف بذه الرذائل؟!


يظن هؤلاء أنهم الجماعة المنصورة، وما رأيناهم إلا منصورا عليهم كل محارب ومعاد للدين الذي يتبجحون بالانتساب إليه، سهامهم مسددة إلى المسلمين، الذي يعتقدون أن دينهم دين ودنيا، ومصروفة عمن سواهم، وإن كانوا يحاربون الحق بلا هوادة، وإنما كانوا على هذا السبيل لجهلهم بحقائق هذا الدين، ومنها حال هذه الحقيقة. 


مرجع النص: أصول نقد القول العلماني، ص:41.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة