U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

إيريك هوفر يكتب: تحالف الصفوة والغوغاء




بقلم:إريك هوفر


كثيرا ما يكون معيار الحكم على الأمة، أو أي تجمع بشري، هو وضع أقل أفرادها شأنا. على الرغم من أن هذا معيار ظالم إلا أن هناك ما يبرره. إن شخصية أي جماعة ومصيرها كثيرا ما تحدده العناصر الأقل قدرا فيها.


إن الجزء الثابت من أي أمة هو وسطها، إلا أن هذا الوسط، الذي يتكون من المواطنين العاديين الطيبين، الذين يقومون بأعمالهم في المدن والأرياف، كثيرا ما تتحكم فيه أقليتان، الصفوة من طرف، والغوغاء من طرف آخر.


يؤدي الأشخاص المتفوقون عقليا دورا كبيرا في قيادة الأمة، سواء في السياسة أو الأدب أو العلم أو التجارة أو الصناعة، إلا أن الأشخاص الذين يقفون في الجانب الآخر، الفاشلين والعاجزين عن التألق والمنبوذين والمجرمين، وكل الذين فقدوا توازنهم أو لم يكن لديهم توازن أصلا، يؤدون أيضا دورا كبيرا. إن مسرحية التاريخ يمثلها عادة الطرفان، الصفوة من جانب، والغوغاء من جانب آخر، دون مبالاة بالاغلبية التي تقع في الوسط.


إن السبب الذي يجعل الغوغاء يؤدون دورا مهما في مسيرة الأمة هو أنهم لا يكنون أي احترام للأوضاع القائمة. إنهم يعدون حياتهم فاسدة بلا أمل في العلاج، ويحملون النظرة نفسها إلى الأوضاع القائمة، ومن هنا فإنهم على استعداد، دوما لتحطيم كل شيء ولنشر الفوضى والقلاقل. يتوق الغوغاء إلى صهر أنفسهم التي يعدونها بلا معنى في مجهود جماعي خارق وإلى الانخراط في عمل جماعي موحد. إن الغوغاء دوما في مقدمة الأتباع، سواء كنا بصدد ثورة أوهجرة جماعية أو حركات عرقية أو قومية، وهم من ثم يطبعون بطابعهم الحركات التي تغير طبيعة الأمم ومسار التاريخ.


إن المنبوذين والمهمشين هم المادة الخام التي يصنع منها مستقبل الأمة، أي إن الحجر المطروح في الشارع يصبح حجر الزاوية في بناء عالم جديد. إن الأمة التي تخلو من الغوغاء هي التي تتمتع بالنظام والسلام والاطمئنان، إلا أنها أمة تفتقر إلى خميرة التغيير. لم تكن سخرية السخريات، أن المنبوذين في بلاد أوروبا هم الذين عبروا المحيط لبناء مجتمع جديد في القارة الأمريكية، بل كان هذا هو الشيء الطبيعي.


النص مقتبس من: المؤمن الصادق، أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية، إريك هوفر، ترجمة: غازي القصيبي، ص:53


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة