U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

لماذا الحداثيون في حاجة إلى طوطو؟

 



بقلم: مصطفى بوكرن


تعرض الفنان الكبير طه فحصي الملقب بطوطو إلى حملة عنيفة، تستهدف مسيرته الفنية، لوضع حد لها، وأن لا يعود في مستقبل الأيام، للصعود إلى منصات العرض الاحتفالية مرة أخرى، لمعانقة جمهوره الواسع، الذي يشكل معه، لوحة فنية مدهشة، تنافس عروض الألتراس.


إن هؤلاء الذين يريدون تدمير وإطفاء وهج طوطو، لا يدركون خطورة أفعالهم، وتأثيرها على مستقبل المغرب، فهم يتصرفون دون وعي سياسي، كل ما يريدونه، هو الاستجابة لأنانياتهم فقط، دون أن يتأملوا الصورة كاملة.


على هؤلاء المجتمعين من أجل التصفية المعنوية لطوطو، أن يدركوا أن هناك صراعا مستمرا، حول فئة الشباب، وخاصة التلاميذ والطلبة، حيث تتصارع جهات كثيرة، حول من يفز بعقول وقلوب هذه الفئة، التي تستعمل في مشاريع كبرى، وبدونها تكون فاشلة، ولا تتقدم في مسار الصراع.


حين نرجع إلى تاريخ الحركات السياسية المغربية، نجد أن اليسار في مواجهته للحسن الثاني، اخترق الثانويات والجامعات، واستطاع أن يؤسس حركة تلمذية ضخمة، يمكن لها أن تحرك عشرات الآلاف من التلاميذ وتخرجهم إلى الشارع، وقد وقع هذا في 23 مارس 1965، حين خرج آلاف التلاميذ احتجاجا على مذكرة وزير التعليم يوسف بلعباس، التي تمنع التلاميذ الذين وصلوا سن 16 عاما من التكرار في ما يسمى "البروفي". وقد واجه أوفقير هذه الاحتجاجات بشراسة دموية.


وقد ظل اليسار مسيطرا على الحركة التلاميذية والطلابية لعقود، إلى أن ظهرت الحركة الإسلامية، ونازلت اليساريين في الثانويات والجامعات فاشتد الصراع بينهما، وكانا تحت مراقبة أعين النظام الحاكم.


لا يمكن لحركة سياسية أن يكون لها مستقبل دون أن تستقطب التلاميذ والطلبة، وأية حركة لا تحتضن هذه الفئة، فهي تعيش نوعا من الجمود القريب من الموت.


ولا يتعلق هذا بالحركات السياسية فقط، بل كل من له مشروع يريد الترويج له في المجتمع. ولذلك، نافست كرة القدم الحركات السياسية في استقطابها للشباب، وإدخالهم في دوامة الصراع الرياضي، وإبعادهم تدريجيا عن الشأن الحزبي، والانخراط في المؤسسات التي تسهر على مصالح المجتمع.


ولازال الصراع مستمرا، وبدأ يتصاعد مع ظهور دعاة اخترقوا الجامعات، كالداعية ياسين العمري، الذي له تأثير كبير في صفوف التلاميذ والطلبة. دون الحديث عن الشيخ سعيد الكملي، الذي يقود تيارا ضخما من الطلبة، وهناك دعاة آخرون يشتغلون في صمت، قد يشكلون في المستقبل تأثيرا قويا على الحقل السياسي المغربي.


علينا أن نعترف، نحن العلمانيون فشلنا في قيادة الشباب، واختراق التلاميذ والطلبة، لا يتقبلون أفكارنا النخبوية، فتيارنا الحداثي، خطابه ضعيف جدا، لأنه لا يتفاعل مع واقع الشباب في العمق. وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن هؤلاء الدعاة، يقومون باستقطاب آلاف الشباب، وتجنيدهم للمستقبل، لمواجهة تيارنا العلماني الحداثي.


إننا في هذه المعركة، لا نملك إلا قوة الفنون السمعية و البصرية، لمواجهة التيار المحافظ المتشدد، الذي يريد إرجاعنا إلى الوراء. ولذلك، أنبه تيارنا العلماني والحداثي، أن يستيقض من سباته، وأدعو صديقنا التيجيني الذي أبلى البلاء الحسن في مواجهة الحزب المحافظ، حزب العدالة والتنمية، أن يراجع نفسه، لأنه يخوض المعركة الخطأ، لأن طوطو والتيجيني هما معا، ينتميان إلى تيارنا العلماني والحداثي، وكل واحد منهما يقوم بوظيفته، بأسلوبه الخاص، وإن ضرب طوطو، هو هدية مجانية لدعاة المحافظة والتقليد والظلامية.


على تيارنا الحداثي والعلماني أن يقف صفا واحدا خلف طوطو، فهو أملنا الوحيد في تأطير الشباب ضد ياسين العمري خاصة، لأن طوطو له قدرات خارقة في فهم عقلية الشباب، الذي يحب التميز والتفرد في اللغة واللباس والاختيارات. إن طوطو هو سد منيع ضد التيارات الوهابية في مغربنا العظيم، وإذا تم الإجهاز عليه بسجنه، فإنهم يقدمون هدية رائعة لدعاة التشدد لاستقطاب الشباب إلى صفهم، فمزيدا من الحيطة والحذر.


إن وزير الثقافة سياسي ذكي وله بعد نظر عميق، في فهم المعركة الجارية حاليا. إنه يدرك أن الصوت المحافظ، لم يمت بانهيار حزب العدالة والتنمية، فهذا الصوت سيستيقظ مرة أخرى، عن طريق شخصيات وحركات جديدة. ويعلم الوزير أن الحداثيين والعلمانيين فشلوا في أحزابهم وجمعياتهم، لكن لهم القدرة في المجال الثقافي، على غرس قيم جديدة، للتمرد على قيم المجتمع المحافظة، التي تشكل تربة خصبة، تنهل منها الحركات السياسية الإسلاموية.


أدعو الصف العلماني والحداثي والتنويري، أن لا يكون شكلانيا في تعليقه على طوطو، بل عليه أن يفهم عمق القيم التي يروج لها طوطو في صفوف الشباب، فهي لا تختلف عن القيم التي يدعو إليها المفكر العظيم أحمد عصيد، والمفكرة المتميزة مايسة سلامة الناجي، والنبي الجديد سعيد بنجبلي.


علينا جميعا، ألا تجرنا الشعبوية المنافقة، وأن نفهم عمق المعركة القديمة الجديدة، حيث صراع بين الأصالة والمعاصرة. ومن الغرائب، أننا كنا نظن أن المحافظين من الإسلامويين هم الذين كان يجب عليهم أن يرفعوا شكاوى على طوطو، فإذا بفعاليات حداثية، تنتمي إلى صفنا تقع في الفخ، وتقدم خدمة مجانية لهؤلاء.


أدعو مجددا السيد التيجيني إلى أن يسامح طوطو، لأنه في الخندق نفسه، الذي يناضل من داخله، ضد المحافظة والأخونة.. وأن لا يلتفت إلى أمور شكلية، هي من صميم شغف الشباب.


وأدعو طوطو إلى أن يظل صامدا وأن لا يعتذر، لأنه لو فعل، فإنه يسهم في انهيار المشروع الحداثي بكامله. مزيدا من الصمود والاتحاد من أجل مواجهة الانغلاق..


وأنادي المحاميين زياش وكروط اللذين ينتميان إلى الصف الحداثي، أن يدركا مآلات هذه المعركة الخاطئة، حيث يجلس التيار الإخواني المقيم في المغرب مقهقها على تشرذم تيارنا الصامد.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة