بقلم: مصطفى بوكرن
أحب أن أشاهد متأملا المسلسلات الأمريكية الأكثر شهرة، بعد أن ينتهي موسمها الأول، لكي لا أتعرض لسلطة جمهور المشاهدين في التأثير على قراءتي للمسلسل.
أعترف أن أفضل مسلسل تابعته إلى الآن في كل مواسمه، هو Game of Thrones صراع العروش. ولذلك، حين تم الإعلان عن مسلسل House of the Dragon / آل التنين المشتق من المسلسل السابق، تشوقت لمتابعته، وكتابة تعليقات حول حلقاته.
لست ناقدا فنيا، لكي أركز على الجانب التقني والجمالي في المسلسل، ولكن يهمني أن أتفاعل مع المسلسل من الناحية المعرفية والفلسفية. ثم إن التلقي، يختلف من مشاهد إلى آخر. بمعنى، أنني ما سأقوله ليس بالضرورة، أن يكون قد رآه المتابع للمسلسل. فهذا رأي شخصي.
ما يهمني في المسلسل، هو التركيز على طبيعة "نظام الحكم السلالي". كيف ينتقل الحكم من ملك مات إلى ولي عهده؟ ويهمني بشكل أدق تفاصيل هذا الانتقال، وما تحيط به من تحديات كثيرة لا حصر لها. ثم كيف يدبر ملك يحكم بالوراثة نظام حكمه؟.
وقصة هذا الحكم السلالي يرجع إلى القرن الثاني الميلادي، يحكي العمل قصة بداية آل تارجارين والأحداث التي أدت إلى الحرب والأهلية بينهم.
تطورت أنظمة الحكم عبر التاريخ إلى أن وصلت إلى النظام الديمقراطي، الذي يعرف أيضا تطورا من نوع آخر. بكل تأكيد هذا المسلسل، يحكي سياقا تاريخيا غربيا، كيف كان الناس يدبرون علاقاتهم وفق نظام حكم معين، قبل أن يصلوا إلى النظام الديمقراطي، وما رافق ذلك، من تطورات فكرية في الفلسفة السياسية.
المتلقي الذي يعيش النظام الديمقراطي، بطريقة غير مباشرة يقارن بين عصره الحالي، والعصر الذي كانت فيه أمته تدبر حكمها عبر "توراث الحكم سلاليا". والمتلقي الذي لم يدخل عصر الدمقرطة، إن كان يعيش في نظام عسكري أو في نظام سلالي، يقارن بين ما يعيشه حاضره وما يراه في المسلسل.
في الحلقة الأولى من المسلسل، أول ما يثير الانتباه، هو هشاشة الحكم السلالي، في الانتقال من ملك إلى آخر. وهذه أقوى نقط ضعفه، التي تسببت في الكثير من الصراعات. فالملك الخامس فيسريس تارجاريان، يريد أن تلد زوجته ابنا، ليكون الوريث الشرعي، وإن كانت له بنت كبرى رينيرا، فلا يمكن أن تكون الوريثة الشرعية بحسب الأعراف. وفي الحلقة الأولى، تفشل الزوجة إيما في أن تلد ابنا، فماتت ومعها ابنها الذكر.
هناك لقطة مهمة في الحلقة الأولى، حين تم تخيير الملك بين زوجته وابنه، فاختار أن تموت الزوجة الحامل من أجل إنقاذ الابن. لكنهما ماتا معا. وظهر شقيقه ديمون الذي يتصارع من أجل أن يرث الحكم، في مقابل رينيرا.
يتأكد أن الحكم السلالي، يتم تسويقه على أنه يحقق الاستقرار. قد يكون ذلك حقيقة في زمن حكم الملك، لكن حين انتقال العرش، تقع الصراعات الخطيرة، التي قد تؤدي إلى انهيار المملكة برمتها، عكس النظام الديمقراطي، الذي جاء لكي يدبر هذا الانتقال بالدرجة الأولى، لكي لا يقع الاقتتال والحرب والأهلية. ولذلك، قيل: الديمقراطية تحقق السلم لا عدالة!
في هذا الوضع، يشتد الصراع بين حاشية الملك، حول الوريث الشرعي، وتتناسل المؤامرات والدسائس، التي تنهك الجسم الداخلي للمملكة من الممالك. حيث يصبح القتل مباحا، من أجل حكم أمة.
ولذلك، إن الحكم السلالي، يدرك أن نقطة ضعفه الكبرى، تتمثل في انتقال السلطة من ملك مات إلى ملك عاش، ويعمل كل ما فيه وسعه، لتأمين هذا الانتقال.
هذا المسلسل، ليس من أجل التسلية وفقط، بل هو حديث عن فلسفة سياسية قديمة، لكنها لازلت مستمرة إلى الآن.
إرسال تعليق