بقلم: محمد أبو القاسم حاج حمد
إن عناصرها (المركبة في وحدتها) في حدود تصنيفات بعض المدرسيين تنحل إلى: الفلسفة الألمانية والاشتراكية الفرنسية والاقتصاد الإنكليزي. إنها حامل متسع لبناء فلسفي أوروبي شامل حتى إنه يصعب محاكمة الفكر الفلسفي الأوروبي دون النفاذ إليه من خلاصته الماركسية.
وبحكم هذه الشمولية في التركيب الفلسفي العلمي لا يمكن حرمان الماركسية من قابليتها العلمية الكامنة لاستيعاب المتجدد في دينامية الحركة، بما يعطي جدليتها قدرة الفعل المتسع في إطار الموضوعية والواقعية، فهي بهذا المعنى أكبر من مفهوم متشنج للتغيرات الفورية. بهذا تصبح الماركسية علما لرصد التغيرات الاجتماعية والتاريخية حتى لمصحة الطبقات البرجوازية أو المستغلة. (1)
وكما حشدت الماركسية في صياغتها خلاصات التطور الفلسفي العلمي الأوروبي عبر اتجاه تطوري جدلي مادي فإنه قد حشدت ضدها كل المقولات الفرعية التي قابلت هذا الحشد -من قبل- في حيز عناصره. فهو يواجه انتقاصا من نزعتها التطورية تقوم به الأيديولوجيات السكونية المنشأ..
وانتقاصا من حلوليتها المادية (الوضعية) تقوم به المفاهيم اللاهوتية الدينية، وانتقاصا من نزعتها الجدلية تقوم به مفهوميات المثل المسبقة، فاتسعت المعركة ضدها بقدر ما شملت هي من ميادين في اتساعها.
ولكن كل هذه القوى هي تاريخيا الأكثر تخلفا في الغرب، لأن معركتها ضد الماركسية سابقة على الصياغة الماركسية. أي حين كانت الماركسية لا زالت كامنة الاتجاه في السياق التطوري الذي واجهته هذه النزعات المضادة من قبل.
إن أكبر ما تعانيه هذه الاتجاهات في محاولاتها دحض الصياغة الماركسية أنها تنطلق في مجموعها من أرضية أيديولوجية (حضارية) دحضها التطور الحضاري الأوروبي نفسه، وبشكل سابق على الماركسية نفسها. فتكتشف هذه التيارات مفاهيمها أثناء دحضها للماركسية - كمفاهيم غير قابلة بالنتيجة التي شكلت هي جزءا من مكوناتها التاريخية. فمعركتها ضد الصياغة الماركسية - إذن- هي معركة ضد إنجازات ترتبط بصميم النهج التطوري الغربي.
(1)- ص:194
(2)- ص:195
النص مقتبس من كتاب العالمية الإسلامية الثانية، جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1416، 1996.
إرسال تعليق