بقلم: أحمد الريسوني
أعني بالأمة أمة الإسلام، وهي جماعة المسلمين،
المؤمنين بالله ربا واحدا لاشريك له، وبمحمد رسولا ونبيا لا نبي بعده، وبالإسلام
دينا جامعا لا دين حقا سواه. فالأمة مراد بها عموم المسلمين وكافتهم. وهي المخاطبة
بقول تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليهم شهيدا" البقرة: 143. وبقوله سبحانه: "كنت خير أمة أخرجت
للناس" آل عمران: 110.
وضمن هذه الأمة وداخل
جسدها تتشكل كيانات وهيئات، قائدة حاكمة، أو مهيمنة متحكمة كالرؤساء والوزراء،
والولاة والقضاة، وقادة الجند، والجند أنفسهم (1) الجيوش"، والشرطة،
وغيرها من الفئات والهيئات التي منها تتكون الدولة وعليها تنهض وتقوم، وبها تستقر
وتدوم.
أتناول علاقة الأمة
بالدولة من حيث موضوع كل منهما ومكانتها من الأخرى، وموقع كل منهما ومكانتها في
الخطاب الشرعي وفي النظام الإسلامي، وهي قضية يترتب على تصورها نظريا وإقامتها
عمليا على هذا النحو او ذاك، نتائج كبيرة وجسيمة في هذا الاتجاه أو ذاك.
وإذا كانت الكتابات في
السياسة الشرعية قديما وحديثا، والدراسات السياسية الدستورية اليوم قد ركزت على
الدولة ومؤسساتها، ووظائفها وصلاحياتها، وأبرزت - بما فيه الكفاية وأكثر- مدى
أهمية الدولة وضرورتها؛ فإنها - بحكم كونها في الغالب تعكس الواقع المعيش- أهملت
دور الأمة وموقعها ومكانتها، وصلاحيتها ووظائفها، مما عزز الواقع المعيش أكثر
فأكثر.
وأدافع عن "الأمة هي
الأصل" وليس الدولة، سواء من حيث توجه الخطاب الشرعي ابتداء، أو من حيث
العموم، أو من حيث الصلاحيات والمسؤوليات، أو من حيث الأولوية والتقديم. وفي هذا
كله تأتي الدولة والحكام، والفئات الخاصة والأفراد، يأتون تبعا وضمنا.
وقبل أن أدخل في بعض
التفاصيل والأمثلة والأدلة لهذه القضية، أضيف أن هذه المعاني الكبيرة والأساسية في
النظام الإسلامي وفي التصور الإسلامي لمكانة الأمة والدولة (2) وأولوية الأولى على الثانية
وفرعية الثانية وتبعيتها للأولى، وكذلك تبعية الخطاب الفردي للخطاب الجماعي، هذه
المعاني قد تعرضت للضمور والاختلال، بل إلى الانقلاب والانعكاس. وهو ما أفقد الأمة
مكانتها وقدرتها على الريادة والعطاء والإبداع، وحولها إلى مجرد ركام ضخم من
الأفراد المتفرجين المستهلِكين والمستهلَكين؛ بينما تضحمت الدولة حتى
صارت هي الأصل وحتى صارت هي "الكل في الكل" وفي ظل هذا الوضع المقلوب
نمت الأحاسيس والهموم الفردية؛ ونما ورسخ السلوك الفرداني الأناني.
إن الوضع الطبيعي والسوي
لمكانة كل من الأمة والدولة يمكن تشبيهه بهرم قاعدته وعامة جسمه هو من الأمة؛
والزاوية العلوية الصغيرة التي تمثل رأس الهرم هي الدولة.
فالأمة في الوضع الأول هي
الأساس المتين والجسم الممتلئ والحيز الواسع طولا وعرضا وعمقا، والدولة فيها
بمثابة برج صغير للمراقبة والتفقد والتوجيه والتنسيق، وتحتل حيزا ضيقا، لكنها
مرتفع ومشرف.
وفي الوضع المقلوب نجد
للأمة حيزا ضيقا وزاوية حادة (3) في أسفل الهرم المقلوب،
وفوق هذا الحيز الضيق تنتصب متضخمة ثقيلة ضاغطة.
(1)- ص:09
(2)- ص:10
(3)- ص:11
الأمة هي الأصل، مقاربة
تاصيلية لقضايا الديمقراطية، حرية التعبير، الفن. أحمد الريسوني. الشبكة العربية
للأبحاث والنشر. الطبعة الأولى، بيروت، 2012.
إرسال تعليق