U3F1ZWV6ZTQwMTExODUzOTU3MDM5X0ZyZWUyNTMwNjAyNTk4MjY3NQ==

عبد الله العروي يكتب: الدولة الطبيعية والدولة الفاسدة

 



بقلم: عبد الله العروي


تقرر المقالة الثانية أن غاية الإنسان هي المعرفة والرفاهية (1) والسعادة. إن الإنسان وليد الطبيعة، يصبو إلى سد حاجاته البدنية والفكرية المتنامية باستمرار. فيتجه إلى الطبيعة التي تمده بالوسائل الضرورية لذلك. من أهم تلك الوسائل التعاون. إن قوة الإنسان الأساس قوة اجتماعية: إذا نظرنا إليها من زاوية الحاضر وجدناها تنشأ عن التعاون، وإذا نظرنا إليها من زاوية الماضي وجدناها مدخرة في العادات، في الثقافة، في اللغة. المجتمع إذن نظام طبيعي ضروري، فهو بالتالي معقول متكامل متجانس. لا توجد فيه تناقضات تلزم تدخل قوة رادعة من الخارج. لنبق في نطاق الطبيعة، فسنجد أن الفرد خير بطبعه، يعمل، ينتج، يكتشف، يتقدم. الطبيعة عبارة عن مجموعة قوانين متلازمة، مكشوفة لفكر الإنسان: إذا عالجها بدون أفكار مسبقة، وبالتالي باستعداد لقبول قوانينها كما هي، كان في وسعه عندئذ أن يكشف عنها ويستفيد منها لتحقيق أهدافه (المعرفة، السعادة، الرفاهية).


وما الدولة إلا ظاهرة من ظواهر الاجتماع الطبيعي. تولدت حسب قانون طبيعي، حكمها إذن مندرج تحت حكم المجتمع العام: إذا بقيت خاضعة لقانون تولدها وظهورها كانت طبيعية، أي معقولة. لذلك، لا ينشأ تناقض بينها وبين المجتمع أو بينها وبين الفرد. إذا حصل تنافض فلسبب غير طبيعي، ناتج عن خطأ إنساني متعمد، وفي تلك الحال تنشأ الدولة الاستبدادية الظالمة. الدولة إما طبيعية وهي صالحة، وإما فاسدة لأنها غير طبيعية. (2).


إن الدولة الطبيعية تخدم المجتمع بقدر ما يخدم المجتمع الفرد العاقل: تنظم التعاون، تمهد طرق السعي، تشجع الكسب وطلب العلم. المطلوب منها بالأساس الحفاظ على الأمن في الداخل والسلم  في الخارج، أي ردع العنف اللامعقول، ما دام له أثر بين البشر. بقدر ما تتقدم الإنسانية في سبيل العلم والرفاهية والسعادة، بقدر ما تخف ضرورة اللجوء إلى الدولة بشأن المحافظة على السلم، فتتلاشى وسائل الدولة الزجرية والقمعية، داخليا على الأقل في المرحلة الأولى.


أما الدولة الفاسدة، المناقضة للمجتمع، المبنية على العنف واستعباد الناس، فليست سوى مؤامرة ضد الإنسانية. لقد أنتجتها تاريخيا عملية سطو قام بها النبلاء (وليسوا في الأصل سوى قطاع الطرق) والكهان (وليسوا سوى مغترين مزورين) اختلقوا خرافة الإنسان الشرير، أسطورة الفرد اللا إجتماعي الذي يفضل الجهل على العلم ويسعد عندما يلحق الضرر بأخيه الإنسان. هذه خرافة اختلقتها أقلية شريرة لتثبيت حكمها والدفاع عن امتيازاتها. إن دولة السطو هذه، التي لا تخدم المجتمع، غير طبيعية ولا تستحق أن تكون موضوع بحث فلسفي. لأن الفلسفة العقلانية تهتم فقط بقضايا الدولة الخاضعة لقوانين الطبيعة، التي هي قوانين العقل. لقد عبر في (3) التاريخ عن هذه المقالة، كليا أو جزئيا، السوفسطائيون، الطبيعيون الرومانيون، وبعض فلاسفة الإسلام كإخوان الصفا، وفلاسفة القرن الثامن عشر الأوروبي، وليبراليو القرن الماضي.

(1) - ص:16

(2) - ص:17

(3) - ص:18

مفهوم الدولة، عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، الطبعة العاشرة 2014.


مقالات له صلة بالموضوع:

- الدولة كمعطى بديهي.

- الدولة في خدمة الأخلاق.






تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة