بقلم: مولود السريري
لقد أثمرت أنظار هؤلاء العلمانيين بهذه الآفة، الجهل، أباطيل وأمورا منكرة، أهمها أمران:
أحدهما: الخطأ في النقول؛
وثانيهما: الكذب في الأحكام والاستنباطات.
وهذا حال متفش سريانه فيما يبوحون به وما يسطرون على وجه فاحش وفظيع، حتى إنك لا تحتاج إلى قراءة كتب متعددة - لهم- لتدرك ثبوت هذا الأمر في حقهم على قطع، بل النظر في كتاب واحد لهم يحصل لك هذا الأمر.
وبذلك فإنه يكفي الاقتصار على النقل من كتاب واحد في إثبات هذين الأمرين، والذي سيؤخذ عن اعتباط لا انتقاء، والذي وقع بيدي بهذا المسلك هو كتاب "تاريخية الفكر العربي والإسلامي"، لمحمد أركون، فلنستخرج ما يقضي بصحة هذا الذي ادعيناه من قيام آفة الخطأ والكذب المذكورين بقول أهل هذه النحلة الحداثية.
والوجه هو الاقتصار في هذا الشأن على ذكر ما يليق بهذا المختصر من التمثيل لذلك، ومنه: قوله: "إن علم الأصول قد ساهم على المستوى الثقافي في جعل القانون المبلور والمنجز في الواقع من قبل القضاة والفقهاء الإسلاميين الأول. من خلال الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية الخاصة ببيئات الحجاز والعراق وسوريا إبان القرنين الأول والثاني للهجرة، أقول قد ساهم في جعله يبدو مقدسا ومتعاليا ولا بشريا، وقد نتج عن هذه العملية الكبرى أن القانون الوضعي في منشأه وأصله إلى حد كبير يستمر عرضه وتقديمه وتطبيقه باسم الشريعة، وكأنه قانون إلهي".
ولا يخفى على كل من شدا طرفا من هذا العلم أن علم الأصول علم منقول عن صاحب الشريعة - عليه الصلاة والسلام- إما بالقول، وإما بالعمل، وإما بالتقرير. وأن موجب الاختلاف فيما اختلاف فيه من ذلك مرده إلى ثبوت القطع في نقله؛ وكونه أصلا شرعيا عند بعض العلماء، وعدم ثبوته عند غيرهم، فشرط الصحة عندهم في هذا الشأن هو (1) هذا الأمر -فقط- ولا مدخل لأحد من العلماء في هذا، فعلمهم محصور في سوق الأدلة المثبتة لجزئيات هذا العلم من حيث أنها منقولة، وضبطها، لا غير، والمقام لا يتأتى فيه قبول قول أي أحد من الناس؛ لأنه مخصوص الحكم فيه بالشارع. وهذا أمر مغروز في أعماق نفوس العلماء، ومقطوع به عندهم حتى أنهم ليقضون بالعجب ممن يقول أن الفقيه الفلاني وضع شيئا في هذا الموضوع، أو أنه أتى به من عند نفسه.
والذي أدى إلى هذا الضرب من الأقوال هو عدم تصور بنية الدين الإسلامي وحظ العالم في ذلك، ولم يعلموا أن هذا العالم ليس إلا ناقلا، أو عاملا بهذا المنقول سواء كان الأمر يتعلق بأمر كلي أو جزئي، فلو تصرف خلاف ذلك فإن سيتعرى عن الشرعية، فيعد هذا منه معصية، أو تصرفا منبوذا. (2)
(1)- ص:151
(2)- ص:151
أصول نقد القول العلماني في المعرفة الدينية، مولود السريري، الناشر: مركز يقين، الطبعة:الأولى، 2019.
إرسال تعليق