بقلم:إيريك هوفر.
ليس كل الفقراء محبطين. بعض الفقراء الذين يعانون في الأحياء البائسة من المدن لا يشعرون بأي إحباط، بل إنهم يرتعدون؛ خوفا من العيش خارج المحيط التعس الذي ألفوه.
حتى الفقراء الأفضل حالا عندما يطول أمد فقرهم لا يفعلون شيئا، ويشلهم إحساسهم أن الأوضاع القائمة أشياء ثابتة يستحيل أن تتغير. يتطلب الأمر كارثة مروعة، مثل غزو خارجي أو وباء منتشر، لكي يتفهموا أن الأوضاع الدائمة يمكن أن يطولها التغيير.
عادة، ما يكون محدثو الفقر، الفقراء الذي لم يطل عهد فقرهم، هم الذي يعشرون بالإحباط؛ لأن ذكرى الأشياء التي فقدوها لاتزال حية في دمائهم. هؤلاء المحرومون هم الذي يسارعون إلى الالتحاق بأي حركة جماهيرية صاعدة. لقد كان محدثو الفقر المسؤولين عن نجاح الثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر. خلال "ثورة الملاك" التي سبق أن أشرنا إليها، قام الآلاف من مالكي الأراضي الزراعية بطرد فلاحيهم من الأراضي التي كانوا يزرعونها وتحويلها إلى مراع. "تحول الفلاحون الأقوياء النشطون المتعلقون بالتربة التي كانوا يستمدون منها (1) رزقهم إلى عمال بأجور أو متسولين... وازدحمت الشوراع بالمعدمين". كان هذا الحشد من المحرومين هم أفراد جيش كرومول الشعبي الجديد.
وفي ألمانيا وإيطاليا تحول محدثو الفقر المنحدرون من الطبقة الوسطى المنهار إلى دعاة رئيسين للثورتين النازية والفاشية. وأولئك الذي يمكن أن يتحولوا إلى ثوريين في بريطانيا المعاصرة ليسوا العمال، بل من موظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال الذين تأثروا بالتأميم. هذه الطبقة تحتفظ بذكريات حية عن ماضيها المتصف بالغنى والهيمنة، وليس من المحتمل أن تتأقلم مع الأوضاع التي تكبلها وتحرمها أي نفوذ سياسي.
كانت هناك، في الولايات المتحدة وفي الدول الأخرى، زيارات دورية منتظمة في أنواع جديدة من الفقراء، ولاشك في أن هذه الزيادات أسهمت في ظهور الحركات الجماهيرية وانتشارها. حتى وقت قريب، كان محدثو الفقر ينحدرون من طبقة الملاك، سواء في المدن أو الأرياف، إلا أنه مؤخرا، ولأول مرة في التاريخ، تحول العمال العاديون إلى محدثي فقر.
عندما كان الذين يقومون بالأعمال اليدوية الشاقة يعيشون على حافة الكفاف، كانوا يعدون أنفسهم ويعدهم غيرهم، الفقراء "التقليديين". كانوا يعانون الفقر في أوقات الازدهار وأوقات الركود. ومن جهة نظرهم لم يكن الكساد، مهما بلغت شدته، أمرا غريبا أو مزعجا. إلا أنه مع ارتفاع مستوى المعيشة بين الناس أصبح للركود والبطالة معنى مختلف، يعد العامل في الدول الغربية البطالة أمرا مهينا للكرامة. ويعتقد العامل في هذه الدول أنه تعرض للافتقار والأذى؛ نتيجة أوضاع قائمة ظالمة يجد نفسه مستعدا للاستماع إلى الذين ينادون بالإطاحة بها(2).
(1)- ص:57
(2)- ص:58
المؤمن الصادق، أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية، إيريك هوفر، ترجمة: غازي القصيبي، هيئة أبوظبي للقافة والتراث "كلمة"، الطبعة الأولى: 2010م.
إرسال تعليق