بقلم: مصطفى بوكرن
يقال: إنها جلدة مملوءة بالهواء.
هي مقولة صحيحة فيزيائيا، لكنها في عالم الإنسان، تتحول كرة القدم، الجلدة المملوءة بالهواء، إلى كرة القيم.
إنها الكاشفة لحقيقة الإنسان، لأنها تكشف عن أحزانه المريرة لحظة الخسارة، وعن أفراحه المبهجة لحظة الانتصار.
يقولون: إذا أردت أن تكتشف قيم شعب ما، فإنها تظهر في الزواج والموت، لأن الزواج لحظة فرح، والموتَ لحظة حزن.
يحق لي أن أقول من رحم دروس المونديال، تكفينا كرة القدم لتكشف عن قيم شعب ما.
إن صورة أشرف حكيمي وهو يقبل رأس أمه، وصورة صبيري وهو يقوم بالفعل المقدس نفسه، في المونديال، هو اختصار لقصة شاعرية، أبطالها الأبناء والأمهات في الأسرة المغربية.
يقول الأديب المغربي المتفرد عبد الفتاح كيليطو، من النادر أن تبدأ القصة بعلاقة الابن بالأب، غالبية القصص تبدأ بعلاقة الابن بالأم. إنها العلاقة المقدسة، التي كان يقول عنها الروائي الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز: "الرجال يصنعون الفوضى في العالم، والمرأة تعيد تنظيمه".
هكذا كانت اللقطة في المونديال بعد فوز المغرب على بلجيكا، إنها المرأة المغربية، تعيد تنظيم المعجبين والمعجبات والعالم الذي يتحلق حول ابنها، إنها تقول: لولا الأم، ربة هذه الأسرة، والتي تقاتلت مع تحديات الزمن، بالغالي والنفيس، وأرضعت ابنها قيم التضحية والشجاعة، لما رأيتم ابني يجول ويصول في هذا الملعب المقدس. فقبل أن يكون ابني لاعبا فهو إنسان، ينتمي إلى أسرة تحتضنه وترعاه، وهو ابن لأمه، لأنها أفنت عمرَها من أجله.
لوتحدث الكثير من البلغاء عن علاقة الأم بالابن، لما وصلوا إلى فصاحة تلك اللقطة التي يحكي فيها زياش عن أمه، والتي اختصرها في كلمة واحدة: ألعب الكرة من أجل أمي.
ولكم أن تتخيلوا تأثير هذه اللقطات الفريدة على هذا الجيل، إنها قيم تغرس بتلك الجلدة التي يعتبرونها مملوءة بالهواء، إنها كرة القيم.
إرسال تعليق