مصطفى بوكرن
قبل سنة تقريبا، أثار الفنان المعتزل هاشم البسطاوي جدلا واسعا، بإعلانه التوبة، والرجوع إلى الله، والابتعاد عن مجال التمثيل. ولم يكتف الفنان المعتزل، بإخبار قصير يعلم به معجبيه، بل راح يكتب ويدون على صفحته في الفيسبوك والإنستغرام، بل يستضاف في المواقع الإلكترونية عبر حوارات مرئية، لحكاية دوافعه الفكرية، التي تجعله يبتعد عن مجال التشخيص. واستمر في الهجوم على الأفكار التي تروج في المعهد، وانتقد الكثير من الممثلين، بل استثمر مرض بعضهم لتذكيرهم بالتوبة.
ليس الغرض عندي، أن أناقش حالة "هاشم البسطاوي"، بل أريد أن أذكر بإشكالية، تبسط سطوتها على عقول فئة عريضة من "المتدينين": إشكالية التدين والحداثة. وهي إشكالية لازالت تلاحق المتدينين، كلما وجدوا أنفسهم في مجالات عمل حديثة، لم تكن من قبل، فيجدوا أنفسهم في صراع نفسي، كل واحد يحسم بالاختيار الذي يريده.
إن مجالات العمل الحديثة، هي مجالات لم تكن لا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الصحابة ولا التابعين ولا السلف الصالح، بل هي حديثة جدا، ابتكرها الغرب، الذي تطور فكريا وتكنولوجيا، واستعملها لإدارة مجتمعاته، ونقلها إلى مستعمراته، وفرضها في إطار نظام عالمي.
وجد المسلمون أنفسهم في مأزق، بل ليس المسلمون فقط، بل كل الثقافات التي هي خارج "المركزية الغربية"، كيف ستوفق بين هذه المنتجات التحديثية وبين أصالتها وعاداتها. ولذلك، تجد سؤال التأصيل حاضرا في غالبية الشعب الجامعية، خاصة في شعب الآداب والعلوم الإنسانية، حيث السؤال يظل مستمرا: هل هذا العلم كان موجودا عند العرب أو المسلمين؟، وهذا انعكس على كل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية والرياضية...
إذا اخترت الرفض المطلق لهذه المنتجات الحديثة، بقيت خارج نظام العالم، ولن تخاطب سوى نفسك. وإذا قبلت بالمطلق لها، فقدت أصالتك وهويتك، ونسيت من أنت.
إذن الحل، التوفيق بين الأصالة والتحديث، لمخاطبة العالم برؤيتنا الدينية والثقافية لكن بوسائله.
لكن هذا الحل يجد مقاومة داخل البلدان العربية والإسلامية في كل المجالات المؤثرة، لأنها تسيطر عليها النخب الليبرالية والعلمانية، التي فهمت القصة بطريقة خاطئة. وكانت لهذه السيطرة تأثير على المتدينين بالفرار من هذه المجالات، بدعوى نشر الفسق والفجور وتخدر الشعوب، والحقيقة ما هي إلا وسائل، يمكن أن تستعمل بطرق أفضل.
إن المتدينين الذين يقاومون داخل هذه المجالات الحديثة، دون أن يتنكروا لدينهم وعاداتهم وأعرافهم، يقدمون خدمة جليلة في المصالحة بين الأصالة والحداثة.
ولذلك، ما يقوم به اللاعب المغربي زكرياء بوخلال وباقي اللاعبين لا يقدر بثمن، يستعملون وسائل حديثة، فالتعبير عن حبهم لفلسطين، وإعلانهم الانتماء إلى الإسلام بالسجود، بل باحتفائهم بأمهاتهم.
إن المتطرفين في التدين أو العلمنة، هما وجهان لعملة واحدة، وخارجة ما تنتظره الشعوب. فكيف سيعيش شعب خارج زمانه أو أن يتنكر لهويته؟
يمكن للمسلم أن يكون متفوقا في جميع مجالات التأثير في الناس، دون يكون مسلوبا للآخر.
كرة القدم تقدم لنا حلا لهذه الإشكالية، وياليت بعض الفنانين يستوعبون هذا الدرس!
إرسال تعليق