يتشوق الصحافيون إلى لحظة راحة، تحت لحاف ناعم، حين يُسدِل
الليل ستاره، لتتجدد روحُهم المتعبة. لكن شرين، جاءه الليل، وطلب منها أن تخلد إلى
الراحة، فرفضت. سريرها يتوسل إليها أن تخلد بين أحضانه، فتمنعت. جسدها، يبكي يقول
لها: لا تحرمني من حقي في النوم، فعاتبته. نجوم الليل، عليها من خلف النافدة تلصصت،
تغار من نجمة أرض استيقظت. الخفاش حائر ومتوتر، لا يهدأ له بال، يكظم غضبه، ينتظر
نومها، فيتوعدها بالانتقام.
مخلوقات النهار نامت، ومخلوقات الليل تساءلت: لماذا شرين
مستيقظة؟ تكاد تجن، لأن جميع الصحافيين نائمون، إلا هي.
كانت شرين جائعة، تبحث عن خبر يشبع نهمها، ففارقها
النوم. لم تُرد كتابة قصة خيالية، وتقف أمام كاميرا الجزيرة، كما يفعل بعض المراسلين
في عالمنا العربي. أن يُبعث لها بخبر طازَج انتظرت، تُسارِع إليه بمتعة وإتقان
فالتهمت. طال انتظارها، مصادرها، صامتة، تظل تتصل، يطلب منها الانتظار. تعيد الاتصال،
مصادرها لا تجيب، تتساءل: هل نامت؟ أنا أبحث عن خبر، يشبع روحي، أشاركه مع العالم
صباحا عند الفجر، فأقف أمام كاميرا الجزيرة، وأتحدث بهدوء، وأخبر العالم بالحقيقة،
وأختم بنبرة حزن ممزوجة بالإباء: شرين ابو عاقلة، الجزيرة، القدس.
كانت شيرين تتنصت، على جدار دولة صهيونية، خططت فاغتصبت.
العالم أعينه نامت، لكن عين شرين استيقظت. لا يهدأ لها بال. تقاوم جيوش النوم التي
تآمرت، لإغمائها حتى الصباح فانتصرت. ترفض، تقاوم، تخاف أن يأتي الخبر، فيجدها
نائمة.
بمصادرها اتصلت، تنتظر ولا أجابت. تتوتر شرين، تنفعل
شرين، تغضب شرين، تشعر بجوع يلتهم روحها، تريد خبرا، يعرفه العالم صباحا.
في الثلث الأخير من الليل، قوى شرين خارت، وبالنوم أطرافها
قيدت، لكنها بشراسة قاومت، ومع الفراغ تحدثت: أريد خبرا، لن أستسلم.
شرين نامت، فرِح اللحاف الناعم، تبسم الليل البهيم، عانقها
السرير المريح، والحياة إلى جسدها عادت.
قهقه الخفاش.
نامت شرين لكن روحها لم تنم. هاتِف المصدر يرن. كان يرن
بقوة. من سريرها قفزت، وبقولها هذا كانت: لم أنم، أريد خبرا. فأجاءها المخاض إلى
حافة سريرها، عند الفجر، فكان الفرَج: توجهي شطر جنين، هناك الخبر، بالخطى أسرعت، وبرسالة إلى مكتب الجزيرة بالدوحة أرسلت، كأنها
من أرقها الليلي شُفِيت:
قوات الاحتلال تقتحم جنين، وتحاصر منزلا في حي الجابريات.
في الطريق إلى هناك، أوافيكم بالخبر، فور اتضاح الصورة.
أبلغ الخفاش خبرها إلى قناص إسرائيلي، وحكى قصتها.
الصورة للقناص من منظار رشاشه اتضحت، رأى شرين أبو عاقلة
قد وقفت.
يجتهد لتتضح الصورة، ليكون مهنيا في اغتيالها، فأطلق
رصاصة الإعدام.
أجنحة الخفاش رقصت، ونجوم الليل بكت، وغرفة النوم نعت، لن
يروها مستيقظة بعد الآن، فيحثونها على النوم، إلى الأبد قد نامت. شاهدة وشهيدة.
وإذا شرين سئلت بأي ذنب قتلت؟.

إرسال تعليق