بقلم: مصطفى بوكرن
أفتح الفيس بوك كل يوم، فأجد الناس تلعن التفاهة. يسمون برقل بالفيروس، وينعتون رويكو بالميكروب. ينظمون حملة ضد الأوت فيت، ويدعون الله تعالى أن يقم القيامة، لأنهم لا يتحملون العيش مع التافهين. يشمئز جمهور الفيس بوك، من محتوى يعرض أثمنة الملابس الداخلية والخارجية، لأنها مستفزة لهذا الجمهور الفقير في زمن غلاء الأسعار، حيث يبحث عن السنتيم والمليم لشراء ضروريات المائدة. ويلعن جمهور الفيس بوك، هذا الذي فكر في أن تقف شابة أو شاب أمام الكاميرا، ويعرض في كل مرة أثمنة ملابسه، وكأنه أحد ورثة ميلود الشعبي، أو ينتمي إلى عائلة أخنوش، لا عمل له، إلا أن ينزل إلى سوق الملابس، ويشتري أشهر الماركات الغالية الثمن.
أتابع هذا التذمر الواسع في وسائل التواصل الاجتماعي، ويتساءل الكثيرون من وراء نشر هذه التفاهة، والترويج للتافهين؟ يتكرر هذا السؤال باستمرار، وينتظر هؤلاء الغاضبون المحبون لمحتوى مفيد، أن تخرج إليهم مؤسسة في الداخل أو الخارج، شخصية في الداخل أو الخارج، لتعترف لهم، أمام الملأ أنها هي التي تروج لهذا المحتوى التافه، وتقول، إنها السبب في تشجيع فتيحة على عرض منتوج الكيميائي، وكأنها باطرونة مصنع كبير في صناعة السوائل الكيميائية، تدخل منافسة شرسة مع باقي المصانع العابر للقارات، وتكشف عن المكونات الأساسية لمنتوجها الصناعي، الذي يتنافس مع شركات أمريكية وإيرانية، التي تستعمل في شؤون سرية كتخصيب اليورانيوم لإنتاج القنابل النووية.
تظل هذه المؤسسات أو الشخصيات صامتة لا تتحدث ولا تعمل على إخراج الناس من حيرتهم القاتلة.
الجميع يدين التفاهة والتافهين، ولا أحد يخرج ليعترف أمام الملأ أنه هو السبب.
من باب المسؤولية، وتنوير الرأي العام. وفي سياق الاعتراف فضيلة. وبعد أن تأملت كثيرة في الحيرة التي يعيشها جمهور الفيس بوك الباحث عن من وراء التفاهة، كأنه يبحث عن مكان جثة المهدي بن بركة، الذي ودعنا في 29 أكتوبر 1965، وإلى غاية الآن لم يعرف هذا الجمهور مكانها. جمهور متعطش لمعرفة الحقيقة الكاملة. قررت أن أكشف عن الجهة التي وراء نشر التفاهة، وتكريم التافهين باللايكات والبرطاج والتعليقات، لأنه ليس من المعقول أن ترى شخصا يبحث عن الحقيقة، وتتركه في حيرة قاتلة، وأنت تمتلك الدواء الشافي لمن سأل عن الجواب الكافي. إن الصمت شيطان أخرس، ولابد من الحديث، ليواجه هذا الجمهور الفاعل الرئيس في نشر التفاهة، ويعمل على محاصرته، إلى أن يشل حركته، فينتهي إلى الأبد، ويعود المحتوى المفيد، وينتشر، ويتكاثر، فيقدم المحتوى المغربي إلى العالم على أنه أفضل محتوى.
إنني قررت أن أعترف لكم بالحقيقة، وأنا في كامل قواي العقلية. إياكم أن تصدموا، لأنها حقا، حقيقة صادمة، تحتاج إلى نوع من رباطة الجأش، والهدوء، والصبر. هل أنتم مستعدون لتلقي هذه الحقيقة الصادمة؟ هل أنتم مستعدون لمواجهة من وراء التفاهة؟ هل لكم القدرة على الدخول معه في حرب نفسية طويلة الأمد للانتصار عليه؟
أعرف أنك يا أيها القارئ الكريم، ترفع رأسك بالإيجاب، وتقول مع نفسك: سأنتصر في هذه المعركة ضد من يروج لهذه التفاهة؟
لن أطيل عليك، أعرف أنك تنتظر بشغف، معرفة هذا الذي وراء التفاهة.
إن الذي وراء طوفان التفاهة المغربية هو: أنا.
أنا الذي أحمل الهاتف بين يدي حين أتمدد على سرير النوم، أنتظر أن يهاجمني النوم، فيصرعني في مكاني. أنا الذي أحمل الهاتف بين يدي، وأفتح الفيسبوك، وأنقر على الفيديوهات، فأظل أركظ لساعات، قاطعا مسافات تعد بمئات الكلومترات، باحثا عن محتوى ترفيهي تافه، يخرجني من يومي العادي.
أنا الذي وراء الترويج للتفاهة، أعلن أمام الناس أنني أكرهها، لكنني أجلس مثل التلميذ أمام القايدة غيثة، فأسمع كلاما غريبا، بأسلوب مدهش، يمتعني، ويخرجني عن المألوف في حياتي.
أنا الذي وراء الترويج للتفاهة، أحب التلصص، وأحب الغريب والعجيب، أحب ما لا أراه في حياتي اليومية، أحب أن أرى شكل نزار بأسلوبه الغريب في الكلام، وتمتماته العجيبة، وأستغرب علاقته مع الملولي، وأكاد أجن، متسائلا: كيف يرضى الإنسان أن يدخل إلى السجن؟ وأعيش نوعا من التساؤلات حول حقيقة ما يفعله نزار في علاقته بالنساء.
أنا الذي أروج للتافهة، ولي بيت في قناة شوف تيفي، أسكن فيه، وأتابع آخر المستجدات، وأتشوق لكل غريب وعجيب ومقزز ينشر على قناة شوف تيفي.
سامحوني، أنا الذي وراء نشر التفاهة، حين أكون ممددا على سريري أنتظر النوم، وأنتم تكونون في لحظة قيام بين يدي الله. أنتم جمهور الفيسبوك في تلك اللحظة، تبدأون قيامكم، بسورة البقرة، وأنا أجلس أمام المؤثرة مايا، أستمتع بحكاياتها الغريبة مع أمها. تتحدثان عن قضيب الرجل، كما لو أنها لقطة من فيلم لبنى أبيضار الممنوع في المغرب!
أعرف أنكم ستصدمون بهذه الحقيقة. أشفقت عليكم، لسنوات، وأنتم تتساءلون عن الذي وراء الترويج للتافهين والتفاهات، فقررت أن أخرج من صمتي، وأظهر أمامكم عاريا دون ملابس، قائلا: أنا الذي أروجها، لأنني أعشقها.
إن التفاهين والتفاهات، درسوا شخصيتي النفسية جيدا، وعرفوا أنني أحب التلصص والتجسس، فقامت مي نعيمة لتمثل دور كسالة مع زوجها في دوش منزلها. أحب البحث عن كل ما هو غريب وغير معتاد في الحياة اليومية الجماعية للناس، فأبدعوا مثل هذا المحتوى، الذي يناسبني، فشكرتهم كثيرا، وقمت بأقصى جهودي للترويج له، أتابع محتواهم بكل جوارحي، لكي يحطموا أرقاما قياسية في المتابعات، ويركموا ثروات طائلة، ويقدموا لي خدمة نفسية، للبحث عن ما هو غريب.
بعد أن عرفتم هذه الحقيقة، أخبركم أنكم لن تنتصروا علي، فأنا ساكن في نفوسكم. لن تهزموني فأنا أقوى منكم. إنكم تشتكون من التفاهة، لكن لا قدرة لكم على مواجهتها، ولذلك تجرأت على أن أعترف لكم، بأنني أنا الذي وراءها. ولو كنت أعرف قدرتكم في المواجهة، لظللت مختف وراء الكواليس.
هيا أنا الذي أروج للتفاهة، فقاوموني...
لن تستطيع يا جيل الحلزون، ينام وفوق ظهره قوقعة، اسمها الهاتف، يحملها في كل مكان، حتى لو كان في تحت الكاشة.
إرسال تعليق